قوله : { فَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَانَا . . . } الآية . وهذه حكاية طريقة أخرى من طرائقهم الفاسدة وهي أنهم عند الوقوع في الضر الذي هو الفَقْر والمَرَضُ يفزعون إلى الله تعالى ويرون أن دفع ذلك البلاء لا يكون إلا منه ، ثم إنه تعالى إذا خَوَّله أعطاه نعمة يقول : إنما أوتيته على علم أي علم من الله أني أهل له .
وقيل : إنْ كان ذلك سعادة{[47538]} في الحال أو عافية في النفس يقول إنما حصل له ذلك بجدِّه واجتهاده ، وإن كان مالاً يقول : إنما أوتيته بكسبي وإن كان صحة قال : إنما حصل بسبب العلاج الفلاني ، وهذا تناقض عظيم ، لأنه لما كان عاجزاً محتاجاً أضاف الكل إلى الله وفي حال السلامة والصحة قطعه من الله وأسنده إلى كسب نفسه وهذا تناقض قبيح{[47539]} .
قوله : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ } يجوز أن تكون ( ما ) مهيئة زائدة على نحو : إنما قام زيدٌ ، وأن تكون موصولة ، والضمير عائد عليها من «أوتيته » أي إن الذي أوتيته على علم مني ، أو على علم من الله في أني{[47540]} أستحق ذلك .
قوله : «بَلْ هِيَ » الضمير للنعمة ذكرها أولاً في قوله : «إنما أوتيته » لأنها بمعنى الإنعام ، وقيل : تقديره «شيئاً » . وأنَّث هنا اعتبارا بلفظها ، وقيل : بل الحالة أو الإتيانة{[47541]} ، وإنما عظمت هذه الجملة وهي قوله : { فَإِذَا مَسَّ الإنسان } بالفاء والتي في أول السورة بالواو لأن هذه مسببة عن قوله : «وَإذَا ذُكِرَ » أي يشمئزون من ذكر الله ويستبشرون بذكر آلهتهم فإذا مس أحدهم بخلاف الأولى حيث لا تسبب فيها ، فجيء بالواو التي لمطلق العطف وعلى هذا فما بين السبب والمسبب جمل اعتراضية . قال معناه الزمخشري{[47542]} . واستبعده أبو حيان من حيث إن أبا عليّ يمنع الاعتراض بجملتين فكيف بهذه الجمل الكثيرة ؟{[47543]} .
ثم قال : «والذي يظهر في الربْط أنه لما قال : { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ . . . . . } الآية كان ذلك إشعاراً بما ينال الظالمين من شدة العذاب وأنه يظهر لهم القيامة من العذاب{[47544]} أتبع ذلك بما يدل على ظلمه وبغيه إذ كان إذا مسه ضر دعا الله فإذا أحسن إليه لم ينسب ذلك إليه »{[47545]} . وقال ابن الخطيب : إن السبب في عطف هذه الآية بالفاء أنه تعالى حكى عنهم قبل هذه الآية أنهم يَشمَئِزُّون من سماع التوحيد ، ويستبشرون بسماع ذكر الشركاء ، ثم ذكر «بفاء » التعقيب أنهم إذا وَقَعُوا{[47546]} في الضرر والبلاء التَجأُوا{[47547]} إلى الله وحده ، فكان الفعل الأول مناقضاً للفعل الثاني ، فذكر بفاء التَّعْقِيب ليدل به على أنهم واقعون في المناقضة الصريحة في الحال وأنه ليس بين الأول والثاني فاصل{[47548]} مع أن كل واحد منهما مناقض للثاني ، فهذا فائدةُ ذكرِ فاء التعقيب ههنا وأما الآية الأولى فليس المقصودُ منها بيانَ وقوعهم في التناقض في الحال فلا جرم ذكره تعالى بحرف الواو لا بحرف الفاء{[47549]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.