قوله تعالى : { ويقول الذين آمنوا } قرأ أهل الكوفة : ويقول ، بالواو والرفع على الاستئناف ، وقرأ أهل البصرة بالواو ونصب اللام عطفاً على أن يأتي أي : وعسى أن يقول الذين آمنوا ، وقرأ الآخرون بحذف الواو ورفع اللام ، وكذلك هو في مصاحف أهل العالية استغناء عن حرف العطف بملابسة هذه الآية بما قبلها ، يعني يقول الذين آمنوا في وقت إظهار الله تعالى نفاق المنافقين .
قوله تعالى : { أهؤلاء الذين أقسموا بالله } . حلفوا بالله .
قوله تعالى : { جهد أيمانهم } ، أي : حلفوا بأغلظ الأيمان .
قوله تعالى : { إنهم لمعكم ؟ } أي : إنهم لمؤمنون ، يريد : أن المؤمنين حينئذ يتعجبون من كذبهم وحلفهم بالباطل .
قوله تعالى : { حبطت أعمالهم } ، بطل كل خير عملوه .
قوله تعالى : { فأصبحوا خاسرين } ، خسروا الدنيا بافتضاحهم ، والآخرة بالعذاب وفوات الثواب .
فلما انعقدت الأسباب الفاضحة لهم ، تبين أمرهم لعباد الله المؤمنين ، فتعجبوا منهم كيف كانوا يظهرون أنهم من المؤمنين ، ويحلفون على ذلك ويتأولون ، فبان كذبهم وافتراؤهم ؛ ولهذا قال تعالى : { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ }
وقد اختلف القراء في هذا الحرف ، فقرأه الجمهور بإثبات الواو في قوله : { وَيَقُولُ الَّذِينَ } ثم منهم من رفع { وَيَقُولُ } على الابتداء ، ومنهم من نصب عطفًا على قوله : { فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ } تقديره " أن يأتي " " وأن يقول " ، وقرأ أهل المدينة : { يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا } بغير واو ، وكذلك هو في مصاحفهم على ما ذكره ابن جرير ، قال ابن جُرَيْج ، عن مجاهد : { فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ } حينئذ { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ }
{ وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُواْ أَهَُؤُلآءِ الّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ } . .
اختلف القرّاء في قراءة قوله : وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا فقرأتها قرّاء أهل المدينة : «فَيُصْبِحُوا على ما أسَرّوا في أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ يَقُول الّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الذينَ أقْسَمُوا باللّهِ » بغير واو .
وتأويل الكلام على هذه القراءة : فيصبح المنافقون إذا أتى الله بالفتح أو أمر من عنده ، على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين ، يقول المؤمنين تعجبا منهم ومن نفاقهم وكذبهم واجترائهم على الله في أيمانهم الكاذبة بالله : أهؤلاء الذين أقسموا لنا بالله إنهم لمعنا وهم كاذبون في أيمانهم لنا وهذا المعنى قصد مجاهد في تأويله ذلك الذي :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأتِيَ بالفَتْحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ حينئذٍ ، يقول الذين آمنوا : أهؤلاء الذين أفسموا بالله جهد إيمانهم ، إنهم لمعكم ، حبطت أعمالهم فأصحوا خاسرين .
كذلك ذلك في مصاحف أهل المدينة بغير واو . وقرأ ذلك بعض البصريين : وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا بالواو ، ونصب «يقول » عطفا به على «فعسى الله أن يأتي بالفتح » . وذكر قارىء ذلك أنه كان يقول : إنما أريد بذلك : فعسى الله أن يأتي بالفتح ، وعسى يقول الذين آمنوا . ومحال غير ذلك ، لأنه لا يجوز أن يقال : وعسى الله أن يقول الذين آمنوا ، وكان يقول : ذلك نحو قولهم : أكلت خبزا ولبنا ، وكقول الشاعر :
ورأيْتِ زَوْجَكِ في الوَغَى ***مُتَقَلّدا سَيْفا وَرُمحَا
فتأويل الكلام على هذه القراءة : فعسى الله أن يأتي بالفتح المؤمنين ، أو أمر من عنده يديلهم به على أهل الكفر من أعدائهم ، فيصبح المنافقون على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين ، وعسى أن يقول الذين آمنوا حينئذٍ : هؤلاء الذين أقسموا بالله كذبا جهد أيمانهم إنهم لمعكم . وهي في مصاحف أهل العراق بالواو : وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا . وقرأ ذلك قرّاء الكوفيين : وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا بالواو ورفع يقول بالاستقبال والسلامة من الجوازم والنواصب .
وتأويل من قرأ ذلك كذلك : فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم يندمون ، ويقول الذين آمنوا فيبتدىء «يقول » فيرفعها . وقراءتنا التي نحن عليها : وَيَقُولُ بإثبات الواو في : «ويقول » ، لأنها كذلك هي في مصاحفنا مصاحف أهل الشرق بالواو ، وبرفع «يقول » على الابتداء .
فتأويل الكلام إذ كان القراءة عندنا على ما وصفنا : فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين ، ويقول المؤمنون : أهؤلاء الذين حلفوا لنا بالله جهد أيمانهم كذبا إنهم لمعنا . يقول الله تعالى ذكره مخبرا عن حالهم عنده بنفاقهم وخبث أعمالهم : حَبِطَتْ أعمالُهُمْ يقول : ذهبت أعمالهم التي عملوها في الدنيا باطلاً لا ثواب لها ولا أجر ، لأنهم عملوها على غير يقين منهم بأنها عليهم لله فرض واجب ولا على صحة إيمان بالله ورسوله ، وإنما كانوا يعملونها ليدفعوا المؤمنين بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم ، فأحبط الله أجرها إذ لم تكن له فأصْبَحُوا خَاسِرينَ يقول : فأصبح هؤلاء المنافقون عند مجيء أمر الله بإدالة المؤمنين على أهل الكفر قد وكسوا في شرائهم الدنيا بالاَخرة ، وخابت صفقتهم وهلكوا .
{ ويقول الذين آمنوا } بالرفع قراءة عاصم وحمزة والكسائي على أنه كلام مبتدأ ويؤيده قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر مرفوعا بغير واو على أنه جواب قائل يقول فماذا يقول المؤمنون حينئذ ، وبالنصب قراءة أبي عمرو ويعقوب عطفا على أن يأتي باعتبار المعنى ، وكأنه قال : عسى أن يأتي الله بالفتح ويقول الذين آمنوا ، أو يجعله بدلا من اسم الله تعالى داخلا في اسم عسى مغنيا عن الخبر بما تضمنه من الحدث ، أو على الفتح بمعنى عسى الله أن يأتي بالفتح وبقول المؤمنين فإن الإتيان بما يوجبه كالإتيان به . { أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم } يقول المؤمنين بعضهم لبعض تعجبا من حال المنافقين وتبجحا بما منّ الله سبحانه وتعالى عليهم من الإخلاص أو يقولونه لليهود ، فإن المنافقين حلفوا لهم بالمعاضدة كما حكى الله عنهم { وإن قوتلتم لننصرنكم } وجهد الأيمان أغلظها ، وهو في الأصل مصدر ونصبه على الحال على تقدير وأقسموا بالله يجهدون جهد أيمانهم ، فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه ولذلك ساغ كونها معرفة أو على المصدر لأنه بمعنى أقسموا . { حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين } إما من جملة المقول أو من قول الله سبحانه وتعالى شهادة لهم بحبوط أعمالهم ، وفيه معنى التعجب كأنه قيل أحبط أعمالهم فما أخسرهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.