الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَهَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُواْ خَٰسِرِينَ} (53)

قوله تعالى : { وَيَقُولُ الذين ءَامَنُواْ أهؤلاء الذين أَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم }[ المائدة :53 ] . قرأ نافعٌ وغيره : ( يَقُولُ ) بغير واو ، وقرأ حمزة وغيره : ( وَيَقُولُ ) ، وقرأ أبو عمرو وحْده : ( وَيَقُولَ ) بالواو ، ونصبِ اللامِ ، فذَهَبَ كثيرٌ من المفسِّرين إلى أنَّ هذا القولَ مِنَ المؤمنين إنما هو إذا جاء الفتْحُ ، وحصَلَتْ ندامةُ المنافقين ، وفَضَحهم اللَّه تعالى ، فحينئذ : يقولُ المؤمنون : { أهؤلاء الذين أَقْسَمُواْ }الآية .

وتحتمل الآيةُ أنْ تكون حكايةً لقولِ المؤمنين في وقْتِ قولِ { الذين في قلوبهم مرضٌ }[ المائدة :52 ] { نخشى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ } : إذ فُهِمَ منهم أنَّ تمسُّكهم باليهودِ إنما هو إرصاد لِلَّهِ ولرسولِهِ ، فمَقَتَهم النبيُّ عليه السلام والمؤمنون ، وترك لهم النبيُّ عليه السلام بني قَيْنُقَاعٍ ، رغْبةً في المصلحة ، والأُلْفة ، وأما قراءة أَبي عَمْرٍو : ( وَيَقُولَ ) بالنصب ، فلا يتجه معها أَنْ يكون قولَ المؤمنين إلاَّ عند الفَتْح ، وظُهورِ ندامة المنافقينَ ، وفَضيحَتِهِمْ .

وقوله تعالى : { جَهْدَ أيمانهم } نصْبُ «جَهْدَ » على المصدر المؤكِّد ، والمعنى : أهؤلاء هم المُقْسِمُون باجتهاد منهم في الإيمانِ ، { إنهم لَمَعَكُمْ } ، قد ظهر الآنَ منهم مِنْ موالاة اليهودِ ، وخَذْلِ الشريعةِ ما يُكَذِّبُ إيمانهم .

وقوله : { حَبِطَتْ أعمالهم } يحتملُ أنْ يكون إخباراً من اللَّه سبحانه ، ويحتملُ أنْ يكون مِنْ قول المؤمنين ، ويحتمل أنْ يكون قوله : { حَبِطَتْ } دعاءً ، أي : بَطَلَتْ أعمالُهم .