قوله تعالى : { والصافات صفا } قال ابن عباس رضي الله عنهما ، والحسن ، وقتادة : هم الملائكة في السماء يصفون كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة .
أخبرنا عمر بن عبد العزيز القاشاني ، أنبأنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، أخبرنا أبو علي محمد بن العلاء ، أخبرنا أحمد اللؤلؤي ، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا زهير قال : سألت سليمان الأعمش عن حديث جابر عن سمرة في الصفوف المقدمة فحدثنا عن المسيب بن رافع بن طرفة عن جابر عن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم ؟ قلنا : وكيف تصف الملائكة عند ربهم ؟ قال : يتمون الصفوف المقدمة ويتراصون في الصف " وقيل : هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة حتى يأمرها الله تعالى بما يريده . وقيل : هي الطيور ، دليله قوله تعالى : { والطير صافات } .
قوله تعالى : " والصافات صفا ، فالزاجرات زجرا ، فالتاليات ذكرا " هذه قراءة أكثر القراء . وقرأ حمزة بالإدغام فيهن . وهذه القراءة التي نفر منها أحمد بن حنبل لما سمعها . النحاس : وهي بعيدة في العربية من ثلاث جهات : إحداهن أن التاء ليست من مخرج الصاد ، ولا من مخرج الزاي ، ولا من مخرج الذال ، ولا من أخواتهن ، وإنما أختاها الطاء والدال ، وأخت الزاي الصاد والسين ، وأخت الذال الظاء والثاء . والجهة الثانية أن التاء في كلمة وما بعدها في كلمة أخرى . والجهة الثالثة أنك إذا أدغمت جمعت بين ساكنين من كلمتين ، وإنما يجوز الجمع بين ساكنين في مثل هذا إذا كانا في كلمة واحدة ، نحو دابة وشابة . ومجاز قراءة حمزة أن التاء قريبة المخرج من هذه الحروف . " والصافات " قسم ؛ الواو بدل من الباء . والمعنى برب الصافات و " الزاجرات " عطف عليه . " إن إلهكم لواحد " جواب القسم . وأجاز الكسائي فتح إن في القسم . والمراد ب " الصافات " وما بعدها إلى قوله : " فالتاليات ذكرا " الملائكة في قول ابن عباس وابن مسعود وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة . تصف في السماء كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة . وقيل : تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد . وهذا كما تقوم العبيد بين أيدي ملوكهم صفوفا . وقال الحسن : " صفا " لصفوفهم عند ربهم في صلاتهم . وقيل : هي الطير ، دليله قوله تعالى : " أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات " [ الملك : 19 ] . والصف ترتيب الجمع على خط كالصف في الصلاة . " والصافات " جمع الجمع ، يقال : جماعة صافة ثم يجمع صافات . وقيل : الصافات جماعة الناس المؤمنين إذا قاموا صفا في الصلاة أو في الجهاد ، ذكره القشيري .
قال تعالى : { والصافات } أي الجماعات من الملائكة والمصلين والمجاهدين المكملين أنفسهم بالاصطفاف في الطاعة ، فهو صفة لموصوف محذوف مؤنث اللفظ ، وعدل عن أن يقول : " الصافين " القاصر على الذكور العقلاء ليشمل الجماعات من الملائكة والجن والإنس والطير والوحش وغيرها ، إشارة إلى أنه لا يؤلف بين شيء منها ليتحد قصده إلا واحد قهار ، وأنه ما اتحد قصد شيء منها إلا استوى صفة ، ولا اعتدل صفة إلا اتحد زجره وهو صياحه ، ولا اتحد زجره إلا اتحد ما يذكره بصوته ، ولا اتحد منه ذلك إلا نجح قصده واتضح رشده بدليل المشاهدة ، وأدلها أن الصحابة رضي الله عنهم لما اتحد قصدهم في إعلاء الدين وهم أضعف الأمم وأقلها عدداً لم يقم لهم جمع من الناس الذين لا نسبة لهم إليهم في قوة ولا كثرة ، ولم ينقص صفهم ، وجرح القلوب وأبارها زجرهم ، وشرح الصدور وأنارها ذكرهم ، كما أشار إليه تعالى آخر هذه السورة بقوله { وإن جندنا لهم الغالبون } وكذا غير الآدميين من الحيوانات كما يرى من الفار والجراد إذا أراد الله تعالى اتحاد قصده في شيء فإنه يغلب فيه من يغالبه ، ويقهر من يقاويه أو يقالبه ، فبان أن الخير كله في الوحدة وأنه لا صلاح بدونها ، فبان أن الإله لا يكون متكبرا بوجه من الوجوه فصح ما أريد بالقسم ، واتحد جداً بالمقسم عليه والتأم والتحم به أيّ التحام ، وانتظم معناهما كل الانتظام .
ولما كان التأكيد بالمصدر أدل على الوحدة المرادة قال : { صفاً * } وهو ترتيب الجمع على خط .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.