معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (128)

قوله تعالى : { أفلم يهد لهم } يبين لهم القرآن ، يعني : كفار مكة ، { كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم } ديارهم ومنازلهم إذا سافروا . والخطاب لقريش كانوا يسافرون إلى الشام فيرون ديار المهلكين من أصحاب الحجر وثمود وقريات لوط . { إن في ذلك لآيات لأولي النهى } لذوي العقول .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (128)

99

فإذا انتهت هذه الجولة بطرفيها أخذ السياق في جولة حول مصارع الغابرين ؛ وهي أقرب في الزمان من القيامة ، وهي واقع تشهده العيون إن كانت القيامة غيبا لا تراه الأبصار :

( أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ? إن في ذلك لآيات لأولي النهي . ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى . . )

وحين تجول العين والقلب في مصارع القرون . وحين تطالع العين آثارهم ومساكنهم عن كثب ، وحين يتملى الخيال الدور وقد خلت من أهلها الأول ؛ ويتصور شخوصهم الذاهبة ، وأشباحهم الهاربة ، وحركاتهم وسكناتهم ، وخواطرهم وأحلامهم ، وهمومهم وآمالهم . . حين يتأمل هذا الحشد من الأشباح والصور والانفعالات والمشاعر . . ثم يفتح عينه فلا يرى من ذلك كله شيئا إلا الفراغ والخواء . . عندئذ يستيقظ للهوة التي تفغر فاها لتبتلع الحاضر كما ابتلعت الغابر . وعندئذ يدرك يد القدرة التي أخذت القرون الأولى وهي قادرة على أن تأخذ ما يليها . وعندئذ يعي معنى الإنذار ، والعبرة أمامه معروضة للأنظار . فما لهؤلاء القوم لا يهتدون وفي مصارع القرون ما يهدي أولي الألباب ? : ( إن في ذلك لآيات لأولي النهى ) !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (128)

تفريع على الوعيد المتقدم في قوله تعالى : { وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه } [ طه : 127 ] . جعل الاستفهام الإنكاري التعجيبي مفرعاً على الإخبار بالجزاء بالمعيشة الضنك لمن أعرض عن توحيد الله لأنه سبب عليه لا محالة ، تعجيباً من حال غفلة المخاطبين المشركين عما حلّ بالأمم المماثلة لهم في الإشراك والإعراض عن كتب الله وآيات الرسل .

فضمائر جمع الغائبين عائدة إلى معروف من مقام التعريض بالتحذير والإنذار بقرينة قوله { يمشون في مساكنهم } ، فإنه لا يصلح إلا أن يكون حالاً لقوم أحياء يومئذ .

والهداية هنا مستعارة للإرشاد إلى الأمور العقلية بتنزيل العقلي منزلة الحسيّ ، فيؤول معناها إلى معنى التبيين ، ولذلك عُدي فعلها باللاّم ، كما في قوله تعالى : { أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها } في سورة الأعراف ( 100 ) .

وجملة { كم أهلكنا قبلهم من القرون } معلّقة فعل { يهدِ } عن العمل في المفعول لوجود اسم الاستفهام بعدها ، أي ألم يرشدهم إلى جواب { كم أهلكنا قبلهم } أي كثرة إهلاكنا القرون . وفاعل { يهد } ضمير دل عليه السياق وهو ضمير الجلالة ، والمعنى : أفلم يهد الله لهم جواب كم أهلكنا } . ويجوز أن يكون الفاعل مضمون جملة { كم أهلكنا } . والمعنى : أفلم يُبيّن لهم هذا السؤال ، على أن مفعول { يهدِ } محذوف تنزيلاً للفعل منزلة اللازم ، أي يحصل لهم التبيين .

وجملة { يمشون في مساكنهم } حال من الضمير المجرور باللاّم ، لأنّ عدم التبيين في تلك الحالة أشد غرابة وأحرى بالتعجيب .

والمراد بالقرون : عاد وثمود . فقد كان العرب يمرون بمساكن عاد في رحلاتهم إلى اليمن ونجران وما جاورها ، وبمساكن ثمود في رحلاتهم إلى الشام . وقد مرّ النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بديار ثمود في مسيرهم إلى تبوك .

وجملة { إن في ذلك لآيات لأولي النهى } في موضع التعليل للإنكار والتعجيب من حال غفلتهم عن هلاك تلك القرون . فحرف التأكيد للاهتمام بالخبر وللإيذان بالتعليل .

والنُهى بضم النُون والقصر جمع نُهْيَة بضم النون وسكون الهاء : اسم العقل . وقد يستعمل النُهى مفرداً بمعنى العقل . وفي هذا تعريض بالذين لم يهتدوا بتلك الآيات بأنهم عديمو العقول ، كقوله { إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً } [ الفرقان : 44 ] .