معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (97)

قوله تعالى : { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً } ، قال سعيد بن جبير وعطاء : هي الرزق الحلال . قال الحسن : هي القناعة . وقال مقاتل بن حيان : يعني : العيش في الطاعة . وقال أبو بكر الوراق : هي حلاوة الطاعة . قال مجاهد وقتادة : هي الجنة . ورواه عوف عن الحسن . وقال : لا تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة . { ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (97)

90

وبمناسبة العمل والجزاء ، يعقب بالقاعدة العامة فيهما :

( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ، فلنحيينه حياة طيبة ، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) . . فيقرر بذلك القواعد التالية :

أن الجنسين : الذكر والأنثى . متساويان في قاعدة العمل والجزاء ، وفي صلتهما بالله ، وفي جزائهما عند الله . ومع أن لفظ( من )حين يطلق يشمل الذكر والأنثى إلا أن النص يفصل : ( من ذكر أو أنثى )لزيادة تقرير هذه الحقيقة . وذلك في السورة التي عرض فيها سوء رأي الجاهلية في الأنثى ، وضيق المجتمع بها ، واستياء من يبشر بمولدها ، وتواريه من القوم حزنا وغما وخجلا وعارا !

وأن العمل الصالح لا بد له من القاعدة الأصيلة يرتكز عليها . قاعدة الإيمان بالله ( وهو مؤمن ) فبغير هذه القاعدة لا يقوم بناء ، وبغير هذه الرابطة لا يتجمع شتاته ، إنما هو هباء كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف . والعقيدة هي المحور الذي تشد إليه الخيوط جميعا ، وإلا فهي أنكاث . فالعقيدة هي التي تجعل للعمل الصالح باعثا وغاية . فتجعل الخير أصيلا ثابتا يستند إلى أصل كبير . لا عارضا مزعزعا يميل مع الشهوات والأهواء حيث تميل .

وأن العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيبة في هذه الأرض . لا يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال . فقد تكون به ، وقد لا يكون معها . وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة في حدود الكفاية : فيها الاتصال بالله والثقة به والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه . وفيها الصحة والهدوء والرضى والبركة ، وسكن البيوت ومودات القلوب . وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير وآثاره في الحياة . . وليس المال إلا عنصرا واحدا يكفي منه القليل ، حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى وأبقى عند الله .

وأن الحياة الطيبة في الدنيا لا تنقص من الأجر الحسن في الآخرة .

وأن هذا الأجر يكون على أحسن ما عمل المؤمنون العاملون في الدنيا ، ويتضمن هذا تجاوز الله لهم عن السيئات . فما أكرمه من جزاء !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (97)

وقوله : { من عمل صالحاً } ، يعم جميع أعمال الطاعة ، ثم قيده بالإيمان ، واختلف الناس في : { الحياة الطيبة } ، فقال ابن عباس والضحاك : هو الرزق الحلال ، وقال الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هي القناعة ، وهذا طيب عيش الدنيا ، وقال ابن عباس أيضاً : هي السعادة ، وقال الحسن البصري : «الحياة الطيبة » هي حياة الآخرة ونعيم الجنة .

قال القاضي أبو محمد : وهناك هو الطيب على الإطلاق ، ولكن ظاهر هذا الوعد أنه في الدنيا ، والذي أقول : إن طيب الحياة اللازم للصالحين إنما هو بنشاط نفوسهم ونيلها وقوة رجائهم ، والرجاء للنفس أمر ملذ ، فبهذا تطيب حياتهم وأنهم احتقروا الدنيا فزالت همومها عنهم ، فإن انضاف إلى هذا مال حلال وصحة ، أو قناعة فذلك كمال ، وإلا فالطيب فيما ذكرناه راتب ، وجاء قوله : { فلنحيينه } على لفظ { من } ، وقوله : { ولنجزينهم } على معناها ، وهذا وعد بنعيم الجنة ، وباقي الآية بين ، وحكى الطبري عن أبي صالح أنه قال : نزلت هذه الآية بسبب قوم من أهل الملل تفاخروا ، وقال كل منهم : ملتي أفضل ، فعرفهم الله تعالى في هذه الآية أفضل الملل .