فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (97)

هذا شروع في ترغيب كل مؤمن في كل عمل صالح ، وتعميم للوعد ؛ ومعنى { مَنْ عَمِلَ صالحا } من عمل عملاً صالحاً أي : عمل كان . وزيادة التمييز بذكر أو أنثى مع كون لفظ { من } شاملاً لهما لقصد التأكيد والمبالغة في تقرير الوعد ؛ وقيل : إن لفظ { من } ظاهر في الذكور ، فكان في التنصيص على الذكر والأنثى بيان لشموله للنوعين ، وجملة { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } في محل نصب على الحال ، جعل سبحانه الإيمان قيداً في الجزاء المذكور ؛ لأن عمل الكافر لا اعتداد به ، لقوله سبحانه : { وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] . ثم ذكر سبحانه الجزاء لمن عمل ذلك العمل الصالح فقال : { فَلنحيِيَنَّهُ حياة طَيّبَةً } وقد وقع الخلاف في الحياة الطيبة بماذا تكون ؟ فقيل : بالرزق الحلال ، روي ذلك عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والضحاك . وقيل : بالقناعة ، قاله الحسن البصري ، وزيد بن وهب ، ووهب بن منبه . وروي أيضاً عن عليّ وابن عباس . وقيل : بالتوفيق إلى الطاعة ، قاله الضحاك . وقيل : الحياة الطيبة : هي حياة الجنة ، روي عن مجاهد وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم . وحكي عن الحسن أنه قال : لا تطيب الحياة لأحد إلاّ في الجنة ، وقيل : الحياة الطيبة هي السعادة . روي ذلك عن ابن عباس . وقيل : هي المعرفة بالله ، حكي ذلك عن جعفر الصادق . وقال أبو بكر الوراق : هي حلاوة الطاعة . وقال سهل بن عبد الله التستري : هي أن ينزع عن العبد تدبير نفسه ، ويردّ تدبيره إلى الحق . وقيل : هي الاستغناء عن الخلق والافتقار إلى الحق ، وأكثر المفسرين على أن هذه الحياة الطيبة هي في الدنيا ، لا في الآخرة ، لأن حياة الآخرة قد ذكرت بقوله : { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وقد قدّمنا قريباً تفسير الجزاء بالأحسن ، ووحد الضمير في «لنحيينه » وجمعه في { ولنجزينهم } حملاً على لفظ { من } وعلى معناه .

/خ105