السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (97)

ثم إنه تعالى رغب المؤمنين في الإيمان بكل ما كان من شرائع الإسلام بقوله تعالى : { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن } ، إذ لا اعتداد بأعمال الكفار في استحقاق الثواب ، وإنما المتوقع عليها تخفيف العذاب . فإن قيل : من عمل صالحاً يفيد العموم فما فائدة من ذكر أو أنثى ؟ أجيب : بأنه ذكر دفعاً للتخصيص بأحد الفريقين . واختلف في قوله تعالى : { فلنحيينه حياة طيبة } ، فقال سعيد بن جبير وعطاء : هي الرزق الحلال . وقال مقاتل : هي العيش في الطاعة . وقال الحسن : هي القناعة ؛ لأنّ عيش المؤمن في الدنيا وإن كان فقيراً ، أطيب من عيش الكافر وإن كان غنياً ؛ لأنّ المؤمن لما علم أنّ رزقه من عند الله تعالى وذلك بتقديره وتدبيره تعالى . وعرف أنّ الله تعالى محسن كريم حكيم ، يضع الأشياء في محلها ، فكان المؤمن راضياً بقضاء الله وبما قدّره له ورزقه إياه ، وعرف أنّ مصلحته في ذلك القدر الذي رزقه ، فاستراحت نفسه من الكدر والحرص فطاب عيشه بذلك ، وأمّا الكافر والجاهل بهذه الأصول فدائم الحرص على طلب الرزق ، فيكون أبداً في حزن وتعب وعناء وحرص في الدنيا ، ولا يناله من الرزق إلا ما قدّر له ، فظهر بهذا أن عيش المؤمن القنوع أطيب من غيره . وقال السدّي : الحياة الطيبة إنما تحصل في القبر ؛ لأنّ المؤمن يستريح بالموت من كدّ الدنيا وتعبها . وقال مجاهد وقتادة : هي الجنة لأنها حياة بلا موت ، وغنى بلا فقر ، وصحة بلا سقم ، وملك بلا هلك ، وسعادة بلا شقاوة . فأثبت بهذا أنّ الحياة الطيبة لا تكون إلا في الجنة ، ولا مانع من أنّ المؤمن الكامل يحصل جميع ذلك ثم إنّ الله تعالى ختم الآية بقوله تعالى : { ولنجزينهم أجرهم } ، أي : في الدنيا والآخرة . { بأحسن ما كانوا يعملون } ، أي : من الطاعة وقد سبق تفسيره . ولما قال تعالى : { ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } .