فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (97)

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( 97 ) } .

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا } ، هذا شروع في ترغيب كل مؤمن في كل عمل صالح وتعميم للوعد ، والمعنى : من عمل صالحا أي عمل كان ، { مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى } ، زيادة التمييز بذكر وأنثى ، مع كون لفظ " من " شاملا لهما لقصد التأكيد ، والمبالغة تقرير الوعد . وقيل : إن لفظ من ظاهر في الذكور ، فكان في التنصيص على الذكر والأنثى بيان لشموله للنوعين .

{ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ، جعل سبحانه الإيمان قيدا في الجزاء المذكور ؛ لأن عمل الكافر لا اعتداد به لقوله سبحانه : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا } ، ثم ذكر سبحانه الجزاء لمن عمل ذلك العمل الصالح فقال : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } ، وقد وقع الخلاف في الحياة الطيبة بماذا تكون ، فقيل : بالرزق الحلال في هذه الحياة الدنيا ، وإذا صار إلى ربه جازاه بأحسن ما كان يعمل .

روي ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والضحاك ، وقيل : بالقناعة ، قاله الحسن البصري وزيد بن وهب ، ووهب بن منبه ، وروي أيضا عن علي وابن عباس قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو : ( اللهم قنعني بما رزقتني ، وبارك لي فيه ، واخلف علي كل غائبة لي بخير ) .

وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه ) {[1062]} وأخرج الترمذي والنسائي من حديث فضالة بن عبيد ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( قد أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به ) {[1063]} .

وقيل : بالكسب الطيب والعمل الصالح ، قاله ابن عباس ، وقيل : بالتوفيق إلى الطاعة ، قاله الضحاك ، وقيل : هي حياة الجنة ، روي هذا عن مجاهد وقتادة وغيرهما . وحكي عن الحسن أنه قال : لا تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة ، وقيل : الحياة الطيبة هي السعادة ، روي ذلك عن ابن عباس ، وقيل : هي المعرفة بالله ، حكي ذلك عن جعفر الصادق رضي الله عنه .

وقال أبو بكر الوراق : هي حلاوة الطاعة ، وقال مقاتل : هي العيش في الطاعة ، وقيل : رزق يوم بيوم .

وقال السدي : إنما هي تحصل في القبر ؛ لأن المؤمن يستريح بالموت نكد من الدنيا وتعبها ، وقال سهل بن عبد الله التستري : هي أن ينزع عن العبد تدبير نفسه ويريد تدبيره إلى الحق ، وقيل : هي الاستغناء عن الخلق ، والافتقار إلى الحق .

وأكثر المفسرين على أن الحياة الطيبة هي في الدنيا لا في الآخرة ؛ لأن حياة الآخرة قد ذكرت بقوله : { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، وقد قدمنا قريبا تفسير الجزاء بالأحسن ، ووحد الضمير في : { لنحيينه } ، وجمعه في : { لنجزينهم } ، حملا على لفظ { من } وعلى معناه .


[1062]:مسلم 1054.
[1063]:الترمذي كتاب الزهر باب – 35 – الإمام أحمد 5 / 255.