غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (97)

84

ثم عمم الوعد على أي عمل صالح كان فقال : { من عمل صالحاً } ، ولا كلام في عمومه إلا أنه زاد قوله : { من ذكر أو أنثى } ، تأكيداً وإزالة لوهم التخصيص ، والمبالغة في تقرير الوعد من أعظم دلائل الكرم .

ثم جعل الإيمان شرطاً في كون العمل الصالح منتجاً للثواب حيث قال : { وهو مؤمن } ، فاستدل به على أن الإيمان مغاير للعمل الصالح ، فإن شرط الشيء مغاير لذلك الشيء . واختلف في الحياة الطيبة فقيل : هي في الجنة . عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة ؛ لأن الإنسان في الدنيا لا يخلو من مشقة وأذية ومكروه ، لقوله تعالى :

{ يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه } [ الانشقاق : 6 ] ، بيّن أن هذا الكدح - وهو التعب في العمل - باقٍ إلى أن يصل إلى ربه ، وأما بعد ذلك فحياة بلا موت ، وغنى بلا فقر ، وصحة بلا مرض ، وملك بلا زوال ، وسعادة بلا انتقال . وقال السدي : إن هذه الحياة في القبر . والأكثرون على أنها في الدنيا ؛ لقوله بعد ذلك ، { ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كان يعملون } ، وعلى هذا فما سبب طيب الحياة قيل : هو الرزق الحلال . وقيل : عبادة الله مع أكل الحلال . وقيل : القناعة ، أو رزق يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو : " اللَّهم اجعل رزق آل محمد كفافاً " . قال المحققون : وهذا هو المختار ؛ لأن المؤمن الذي صلح عمله إن كان موسراً فذاك ، وإن كان معسراً فمعه من القنوع والعفة والرضا بالقضاء ما يطيب عيشه . لأن الكافر والفاجر فإن الحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه أبداً ويعظم أسفه على ما يفوته ؛ لأنه عانق الدنيا معانقة العاشق لمعشوقه ، بخلاف المؤمن المنشرح قلبه بنور المعرفة والجمال ، فإنه قلما ينزع لحب الدنيا مالها وجاهها ، ويستوي عنده وجودها وفقدها ، وخيرها وشرها ونفعها وضرها . وبركة الصلاح والقنوع مما لا ينكرها عاقل ، اللَّهم اجعلنا من أهلها . ثم إن ظاهر الآية يقتضي أن العلم الصالح إنما يفيد الأثر المخصوص بشرط الإيمان ، وظاهر قوله : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } [ الزلزلة : 7 ] ، يدل على أن العمل الخير مطلقاً ، يفيد أثراً مطلقاً فلا منافاة بينهما .

/خ100