معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

قوله تعالى : { إن الذين يلحدون في آياتنا } يميلون عن الحق في أدلتنا ، قال مجاهد : يلحدون في آياتنا بالمكاء والتصدية واللغو واللغط . قال قتادة : يكذبون في آياتنا . قال السدي : يعاندون ويشاقون . قال مقاتل : نزلت في أبي جهل . { لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار } وهو أبو جهل ، { خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة } قيل : هو حمزة ، وقيل : عثمان . وقيل : عمار بن ياسر . { اعملوا ما شئتم } أمر تهديد ووعيد ، { إنه بما تعملون بصير } عالم فيجازيكم به .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

37

وأمام مشهد هذه الآيات الكونية ذات الأثر الشعوري العميق يجيء التنديد والتهديد لمن يلحدون في هذه الآيات الظاهرة الباهرة ؛ فيكفرون بها ، أو يغالطون فيها :

( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا . أفمن يلقى في النار خير ? أم من يأتي آمناً يوم القيامة . اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ) .

ويبدأ التهديد ملفوفاً ولكنه مخيف : ( لا يخفون علينا ) . . فهم مكشوفون لعلم الله . وهم مأخوذون بما يلحدون ، مهما غالطوا والتووا ، وحسبوا أنهم مفلتون من يد الله كما قد يفلتون بالمغالطة من حساب الناس .

ثم يصرح بالتهديد : أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة ? . . وهو تعريض بهم ، وربما ينتظرهم من الإلقاء في النار والخوف والفزغ ، بالمقابلة إلى مجيء المؤمنين آمنين .

وتنتهي الآية بتهديد آخر ملفوف : ( اعملوا ما شئتم . إنه بما تعملون بصير ) . . ويا خوف من يترك ليعمل فيلحد في آيات الله . والله بما يعمل بصير .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

هذه آية وعيد . والإلحاد : الميل ، وهو هاهنا عن الحق ، ومن الإلحاد : لحد الميت ، لأنه في جانب ، يقال لحد الرجل وألحد بمعنى .

وقرأ الجمهور : «يُلحدون » بضم الياء من ألحد . وقرأ ابن وثاب وطلحة والأعمش : «يَلحَدون » بفتح الياء والحاء من لحد .

واختلف المفسرون في الإلحاد الذي أشير إليه ما هو ؟ فقال قتادة وغيره : الإلحاد بالتكذيب . وقال مجاهد وغيره : الإلحاد بالمكاء والصفير واللغو الذي ذهبوا إليه . وقال ابن عباس : إلحادهم هو أن يوضع الكلام غير موضعه ، ولفظة الإلحاد تعم هذا كله .

وقوله : { لا يخفون علينا } أي فنحن بالمرصاد لهم وسنعذبهم ، ثم قرر على هذين القسمين أنهما خير ، وهذا التقرير هم المراد به ، أي فقل لهم يا محمد { أفمن } . قال مقاتل : نزلت هذه الآية في أبي جهل وعثمان بن عفان ، وقيل في عمار بن ياسر ، وحسن التفضيل هنا بين الإلقاء في النار والأمن يوم القيامة وإن كانا لا يشتركان في صفة الخير من حيث كان الكلام تقريراً لا مجرد خبر ، لأن المقرر قد يقرر خصمه على قسمين : أحدهما بين الفساد حتى يرى جوابه ، فعساه يقع في الفاسد المعنى فيبين جهله ، وقد تقدم نظير هذه الآية واستيعاب القول في هذا المعنى ، ولا يتجه هنا أن يقال خاطب على معتقدهم كما يتجه ذلك في قوله : { خير مستقراً }{[10087]} فتأمله .

وقوله تعالى : { اعملوا ما شئتم } وعيد في صيغة الأمر بإجماع من أهل العلم ، ودليل الوعيد ومبينه قوله : { إنه بما تعملون بصير } .


[10087]:من قوله تعالى في الآية (24) من سورة (الفرقان): {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}.