البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

لما بين تعالى أن الدعاء إلى دين الله أعظم القربات ، وأنه يحصل ذلك بذكر دلائل التوحيد والعدل والبعث ، عاد إلى تهديد من ينازع في تلك الآيات ويجادل ، فقال : { إن الذين يلحدون بآيتنا } ، وتقدم الكلام على الإلحاد في قوله : { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } وذكر تعالى أنهم لا يخفون عليه ، وفي ذلك تهديد لهم .

وقال قتادة : هنا الإلحاد : التكذيب ، ومجاهد : المكاء والصفير واللغو .

وقال ابن عباس : وضع الكلام غير موضعه .

وقال أبو مالك : يميلون عن آياتنا .

وقال السدي : يعاندون رسلنا فيما جاءوا فيه من البينات والآيات .

ثم استفهم تقريراً : { أفمن يلقى في النار } ، بإلحاده في آياتنا ، { خير أم من يأتي آمناً } ، ولا اشتراك بين الإلقاء في النار والإتيان آمناً ، لكنه ، كما قلنا ، استفهام تقرير ، كما يقرر المناظر خصمه على وجهين ، أحدهما فاسد يرجو أن يقع في الفاسد فيتضح جهله ، ونبه بقوله : { يلقى في النار } على مستقر الأمر ، وهو الجنة ، وبقوله : { آمنا } على خوف الكافر وطول وجله ، وهذه الآية ، قال ابن بحر : عامة في كل كافر ومؤمن .

وقال مقاتل : نزلت في أبي جهل وعثمان بن عفان .

وقيل : فيه وفي عمار بن ياسر .

وقيل : فيه وفي عمر .

وقيل : في أبي جهل وحمزة بن عبد المطلب .

وقال الكلبي : وأبو جهل والرسول صلى الله عليه وسلم .

ولما تقدم ذكر الإلحاد ، ناسب أن يتصل به من التقرير من اتصف به .

ولم يكن التركيب : أم من يأتي آمناً يوم القيامة كمن يلقي في النار ، كما قدم ما يشبهه في قوله : { أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى } وكما جاء في سورة القتال : { أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء علمه } { اعلموا ما شئتم } : وعيد وتهديد بصيغة الأمر ، ولذا جاء { إنه بما تعملون بصير } فيجازيكم بأعمالكم .