فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

{ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا } أي يميلون عن الحق والاستقامة في آياتنا بالطعن والتحريف ، والتأويل الباطل ، واللغو فيها ، والإلحاد الميل والعدول ومنه اللحد في القبر ، لأنه أميل إلى ناحية منه ، يقال : الحد في دين الله أي مال عنه وعدل ، ويقال لحد وهو لغة فيه ، وقد تقدم تفسير الإلحاد ، ويقال : ألحد الحافر ولحد إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق ، فاستعير لحال الأرض إذا كانت ملحودة ، فاستعير للانحراف في تأويل القرآن عن جهة الصحة والاستقامة ، قال مجاهد : معنى الآية يميلون عن الإيمان بالقرآن ، وقال أيضا : يميلون عند تلاوة القرآن بالمكاء والتصدية ، واللغو والغناء ، وقال قتادة يكذبون في آياتنا وقال السدي : يعاندون ويشاقون ، وقال ابن زيد : يشركون ، والمعاني متقاربة ، وقال ابن عباس في الآية ؛ هو أن يضع الكلام في غير موضعه .

{ لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا } بل نحن نعلمهم فنجازيهم بما يعملون ، قيل : نزلت في أبي جهل ، ثم بين كيفية الجزاء والتفاوت بين المؤمن والكافر فقال : { أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } الاستفهام للتقرير ، والغرض منه التنبيه على أن الملحدين في الآيات يلقون في النار ، وأن المؤمنين بها يأتون آمنين يوم القيامة .

وظاهر الآية العموم اعتبارا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فهو تمثيل للكافر والمؤمن ، وقيل : المراد بمن يلقى في النار أبو جهل ، ومن يأتي آمنا النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل حمزة وقيل عمر بن الخطاب وقيل : أبو سلمة بن عبد الأسود المخزومي ، وقال ابن عباس : أبو جهل ابن هشام ومن يأتي آمنا يوم القيامة أبو بكر الصديق ، وعن بشير بن تميم قال : نزلت في أبي جهل وعمار بن ياسر ، وعن عكرمة مثله ، وكان الظاهر أن يقال أم من يدخل الجنة ؟ وعدل عنه للتصريح بأمنهم ، وانتفاء الخوف عنهم ، قاله الكرخي . وترسم " أم " مفصولة من " من " إتباعا للمصحف الإمام .

{ اعْمَلُوا } هذا أمر تهديد ، أي اعملوا من أعمالكم التي تلقيكم في النار { مَا شِئْتُمْ } فهو مجازيكم على كل ما تعملون ، قال الزجاج : لفظه لفظ الأمر ، ومعناه الوعيد ، وقال ابن عباس : هذا لأهل بدر خاصة { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } لا تخفى عليه منه خافية فيجازيكم عليه .