جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

{ إن الذين يلحدون } : يميلون عن الاستقامة { في آياتنا{[4427]} } : يضعون في غير موضعها { لا يخفون علينا } ، فيه وعيد شديد { أفمن يلقى في النار خير أم يأتي آمنا يوم القيامة } : يعني جزاء الإلحاد فيها النار { اعملوا ما شئتم } ، تهديد على تهديد { إنه بما تعملون بصير } : فيجازيكم ،


[4427]:بأن يطعنوا فيها ويؤولوها بالباطل ويلغوا فيها ويحرفوا فيها /12 منه. قال السيوطي في الإكليل تحت هذه الآية: قال ابن عباس- رضي الله عنه هو أن يوضع الكلام في غير موضعه أخرجه ابن أبي حاتم من طريق العوفي عنه، ففيه الرد على من تعاطي تفسير القرآن بما لا يدل عليه جوهر اللفظ، كما يفعله باطنيه [كذا بالأصل والمقصود: الباطنية] والاتحادية والملا حدة وغلاة المتصوفة انتهى. ومن الإلحاد في أسماء الله وآياته ما يفعله كثير من الفلاسفة ومتفلسفة الصوفية والمتكلمين الذين يجعلون الألفاظ التي جاءت في القرآن موضوعة لمعاني تخالف لغة العرب، وتناقض ثبوت الصفات كما فعله بلفظ الغنى والقديم والواحد والواجب بنفسه، فصاروا يجعلونها تدل على معاني وتستلزم معاني تناقض ثبوت الصفات، وتوسعوا في التعبير ثم ظنوا أن هذا الذي فعلوه هو موجب الأدلة العقلية وغيرها. وهذا غلط منهم، فموجب الأدلة العقلية لا يتلقى عن مجرد التعبير، وموجب الأدلة السمعية يتلقى من عرف المتكلم بالخطاب لا من الوضع المحدث فليس لأحد أن يجعل الألفاظ التي جاءت في القرآن موضوعة لمعاني ثم يريد أن يفسر مراد الله بتلك المعاني، بل هذا من فعل الملاحدة المفترين. فإن هؤلاء عمدوا إلى معاني ظنوها ثابتة فجعلوها هي معنى الوحدة، والوجوب والغنى والقدم ونفى المثل ثم عمدوا إلى ما جاء في القرآن والسنة من تسمية الله بأنه أحد واحد وغني نحو ذلك من نفي المثل والكفو عنه فقالوا: هذا يدل على المعاني التي سميناها بهذه الأسماء وهذه الأسماء وهذا من أعظم الافتراء على الله، وكذلك المتفلسفة عمدوا إلى لفظ الخالق والفاعل والصانع والمحدث ونحو ذلك فوضعوها لمعنى ابتدعوه، وقسموا الحدوث إلى نوعين: ذاتي وزماني وأرادوا بالذاتي كون المربوب مقارنا للرب أزلا وأبدا وأن هذا اللفظ على هذا المعنى لا يعرف في لغة أحد من الأمم، ولو جعلوا هذا اصطلاحا لهم لم ننازعهم فيه، لكن قصدوا بذلك التلبيس على الناس وأن يقولوا: نحن نقول بحدوث العالم وأن الله خالق له وفاعل له وصانع له ونحو ذلك من المعاني التي يعلم بالاضطرار أنها تقتضي تأخير المفعول، لا يطلق على ما كان قديما بقدم الرب مقارنا له أزلا وأبدا، وكذلك فعل من فعل بلفظ المتكلم وغير ذلك من الأسماء ولو فعل هذا بكلام سيبويه وبقراط لفسد ما ذكروه من النحو والطب، ولو فعل هذا بكلام آحاد العلماء كمالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة لفسد العلم بذلك، ولكان ملبوسا عليهم، فكيف إذا فعل هذا بكلام رب العالمين وهذه طريقة الملاحدة الذين ألحدوا في أسماء الله وآياته ومن شركهم في بعض ذلك وكذلك إذا قالوا: الموصوفات تتماثل أو الأجسام تتماثل أو الجواهر تتماثل، وأرادوا أن يستدلوا بقوله تعالى:{ليس كمثله شيء} [الشورى:11] على نفي مسمى هذه الأمور التي سموها بهذه الأسماء في اصطلاحهم الحادث، كان هذا افتراءه على القرآن فإن هذا ليس هو المثل في لغة العرب، لا لغة القرآن، ولا غيرها فحمل القرآن على ذاك كذب على القرآن هذا ما التقطت من كلام شيخ الإسلام ابن تميمة على وجه الاختصار/12.