اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

قوله تعالى : { إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ في آيَاتِنَا } الآية لما بين أن الدعوة إلى دين الله تعالى أعظم المناصب ، وأشرف المراتب ، ثم بين أن الدعوة إنما تحصُلُ بذكر دلائل التوحيد والعدل وصحة البعث والقيامة عاد إلى تهديد من ينازع في تلك الآيات ، ويجادل بإلقاء الشُّبهات فيها فقال : إن الذين يُلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ، يقال : ألحدَ الحافِرُ وَلَحَدَ إذ مال عن الاستقامة فحفر في شقِّ فالمُلحِدُ ، هو المُنْحَرِفُ ، ثم اختص في العرف بالمُنْحرِفِ{[48873]} عن الحق إلى الباطل قال مجاهد : يلحدون في آياتنا بالمُكَاءِ والتصدية واللغو واللَّغط . وقال قتادة : يكذبون في آياتنا . وقال السدي : يعاندون ويشاقون { لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ } وهو كقول الملك المهيب : إنَّ الذين ينازعون في ملكي أعرفهم فإن ذلك ( لا ){[48874]} لا يكون تهديداً . ثم قال : { أَفَمَن يلقى فِي النار خَيْرٌ أَم مَّن يأتي آمِناً يَوْمَ القيامة } وهذا استفهام بمعنى التقرير{[48875]} ، والغرض منه التنبيه على أن المُلحِدِين في الآيات يُلْقَون في النار ، وأن المؤمنين بالآيات يأتون آمنين يوم القيامة . قال المفسرون : المراد حمزة ، وقيل : عثمان ، وقيل : عمار بن ياسر{[48876]} . ثم قال : { اعملوا مَا شِئْتُمْ } وهذا أمر تهديد{[48877]} ووعيد أيضاً ، { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي عالم بأعمالكم فيجازيكم .


[48873]:قاله الرازي في التفسير الكبير 27/131 وانظر معنى اللحد في تفسير الزجاج في معاني القرآن وإعرابه له 4/388 واللسان "لحد" 4005.
[48874]:زيادة من أ لا داعي لها وانظر هذه الأقوال في القرطبي 15/366 ومعالم التنزيل للبغوي 6/113.
[48875]:أحد المواضع التي يخرج فيها الاستفهام عن الحقيقة إلى المجاز.
[48876]:المرجعين السابقين.
[48877]:أحد المواضع التي يخرج فيها الاستفهام عن الحقيقة إلى المجاز.