فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

{ إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ في ءاياتنا } أي يميلون عن الحق ، والإلحاد الميل والعدول ، ومنه اللحد في القبر ، لأنه أميل إلى ناحية منه ، يقال : ألحد في دين الله ، أي مال ، وعدل عنه ، ويقال : لحد وقد تقدّم تفسير الإلحاد .

قال مجاهد : معنى الآية : يميلون عن الإيمان بالقرآن . وقال مجاهد : يميلون عند تلاوة القرآن بالمكاء والتصدية واللغو والغناء . وقال قتادة : يكذبون في آياتنا . وقال السدّي : يعاندون ويشاقون . وقال ابن زيد : يشركون { لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا } بل نحن نعلمهم ، فنجازيهم بما يعملون . ثم بيّن كيفية الجزاء ، والتفاوت بين المؤمن والكافر ، فقال : { أَفَمَن يلقى في النار خَيْرٌ أَم مَّن يأتي آمِناً يَوْمَ القيامة } هذا الاستفهام للتقرير ، والغرض منه التنبيه على أن الملحدين في الآيات يلقون في النار ، وأن المؤمنين بها يأتون آمنين يوم القيامة . وظاهر الآية العموم اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . وقيل : المراد بمن يلقى في النار : أبو جهل ، ومن يأتي آمنا : النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : حمزة ، وقيل : عمر بن الخطاب . وقيل : أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي { اعملوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } هذا أمر تهديد ، أي : اعملوا من أعمالكم التي تلقيكم في النار ما شئتم إنه بما تعملون بصير ، فهو مجازيكم على كل ما تعملون . قال الزجاج : لفظه لفظ الأمر ، ومعناه الوعيد .

/خ44