الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

ثم قال تعالى : { إن الذين يلحدون في آياتنا } أي : يميلون عن الحق في حججنا{[60458]} وأدلتنا ويعدلون{[60459]} عنه تكذيبا وجحودا{[60460]} لا يخفون على الله سبحانه ، بل هو{[60461]} عالم بأعمالهم فيجازيهم عليها يوم القيامة .

قال مجاهد يلحدون في آياتنا يعني : المكاء والصفير واللغو عند القرآن ، استهزاء منهم به ، ومعارضة منهم للقرآن{[60462]} .

وقال قتادة : يلحدون : يكذبون .

وقال السدي : يلحدون : ( يعاندون ويشاقون ) .

وقال ابن زيد : هم أهل الكفر والشرك بآيات الله سبحانه .

وقال ابن عباس : هم الذين يبدلون آيات الكتاب فيضعون الكلام في غير موضعه{[60463]} .

وأصل الإلحاد : الميل عن الحق ، ومنه سمي اللحد لحدا لميله في جانب القبر .

ثم قال تعالى : { أفمن يلقى في النار خير أم من ياتي آمنا يوم القيامة } .

قال عكرمة{[60464]} : أفمن يلقى في النار : هو : أبو جهل : ومن يأتي آمنا ، هو : عمار ابن ياسر ){[60465]} .

وقيل : هو حمزة رضي الله عنهما{[60466]} . وقيل هو عام{[60467]} .

والمعنى : الكافر خير أم المؤمن ؟ وخوطبوا بذلك على دعواهم . ولا يجوز أن يخاطب بهذا المؤمنون ، لأنهم قد علموا أنه لا خير في الكافر .

والمعادلة ( بأم ) لا تكون إلا بين شيئين متقاربين في المدح أو في الذم ، ولا قرب بين الكافر والمؤمن في مدح ولا ذم . الذم{[60468]} كله للكافر ، والمدح كله للمؤمن . فإنما جاءت هذه الآية وما أشبهها خطابا للكفار{[60469]} ، لأنهم كانوا يدعون أن فيهم خيرا وفضلا . فخوطبوا على المناقضة لدعواهم .

ثم قال تعالى : { اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير } هذا وعيد وتهدد وليس{[60470]} بإباحة لهم أن يعملوا ما يريدون ، إنما هو تواعد وإعلام أن الله عز وجل ذو خبر وعلم بما يعملون لا يخفى عليه شيء .


[60458]:(ت): حجتنا.
[60459]:(ح): ويميلون.
[60460]:(ت): وجحود.
[60461]:(ت): وهم.
[60462]:انظر: تفسير مجاهد 2/571، وجامع البيان 24/78، والمحرر الوجيز 14/190، وجامع القرطبي 15/366.
[60463]:انظر: جامع البيان 24/78، والمحرر الوجيز 14/190، وجامع القرطبي 15/366، وتفسير ابن كثير 4/102.
[60464]:هو عكرمة أبو عبد الله البربري ثم المدني، مولى ابن عباس تابعي مفسر وفقيه. روى عن عائشة وروى عنه خالد الخذاء وعاصم الأحول توفي سنة 105 هـ وفي ذلك خلاف. انظر: صفة الصفوة 2/102 ت 168، ووفيات الأعيان 3/265 ت 421، وتذكرة الحفاظ 1/95 ت 87.
[60465]:هو أبو اليقظان عمار بن ياسر بن عامر الكناني، صحابي جليل، وأحد السابقين إلى الإسلام توفي سنة 37 هـ. انظر: حلية الأولياء 1/139 ت 29، وأسد الغابة 3/326 ت 3798، والإصابة 2/512 ت 5704.
[60466]:انظر: جامع القرطبي 15/365، والمحرر الوجيز 14/190 حيث أورده ابن عطية مجهول القائل.
[60467]:انظر: جامع القرطبي 15/366.
[60468]:في طرة (ت).
[60469]:(ح): للكافر.
[60470]:(ح): وليس هذا.