معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

{ وأن المساجد لله } يعني المواضع التي بنيت للصلاة وذكر الله ، { فلا تدعو مع الله أحدا } قال قتادة : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله فأمر الله المؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة إذا دخلوا المساجد وأراد بها المساجد كلها . وقال الحسن : أراد بها البقاع كلها لأن الأرض جعلت كلها مسجداً للنبي صلى الله عليه وسلم . وقال سعيد بن جبير : قالت الجن للنبي صلى الله عليه وسلم : كيف لنا أن نشهد معك الصلاة ونحن ناؤون ؟ فنزلت : { وأن المساجد لله } . وروي عن سعيد بن جبير أيضاً : أن المراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها الإنسان وهي سبعة : الجبهة واليدان والركبتان والقدمان ؟ يقول : هذه الأعضاء التي يقع عليها السجود مخلوقة لله فلا تسجدوا عليها لغيره .

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، حدثنا علي بن الحسن الهلالي والسري بن خزيمة قالا : حدثنا يعلى بن أسد ، حدثنا وهيب ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء الجبهة -وأشار بيده إليها- واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين ، ولا أكفت الثوب ولا الشعر " . فإذا جعلت المساجد مواضع للصلاة ، فواحدها مسجد ، بكسر الجيم ، وإن جعلتها الأعضاء فواحدها مسجد ، بفتح الجيم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

والآية الثالثة في السياق يجوز أن تكون حكاية لقول الجن ، ويجوز أن تكون من كلام الله ابتداء :

( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) . .

وهي في الحالتين توحي بأن السجود - أو مواضع السجود وهي المساجد - لا تكون إلا لله ، فهناك يكون التوحيد الخالص ، ويتوارى كل ظل لكل أحد ، ولكل قيمة ، ولكل اعتبار . وينفرد الجو ويتمحض للعبودية الخالصة لله . ودعاء غير الله قد يكون بعبادة غيره ؛ وقد يكون بالالتجاء إلى سواه ؛ وقد يكون باستحضار القلب لأحد غير الله .

فإن كانت الآية من مقولات الجن فهي توكيد لما سبق من قولهم : ( ولن نشرك بربنا أحدا )في موضع خاص ، وهو موضع العبادة والسجود . وإن كانت من قول الله ابتداء ، فهي توجيه بمناسبة مقالة الجن وتوحيدهم لربهم ، يجيء في موضعه على طريقة القرآن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

ومن فتح الألف من { أن المساجد لله } جعلها عطفاً على قوله { قل أوحي إلي أنه } [ الجن : 1 ] ، ذكره سيبويه ، و { المساجد } قيل أراد بها البيوت التي هي للعبادة والصلاة في كل ملة .

وقال الحسن : أراد كل موضع سجد فيه كان مخصوصاً لذلك أو لم يكن ، إذ الأرض كلها مسجد لهذه الأمة . وروي أن هذه الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة ، حينئذ فقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم : المواضع كلها لله فاعبده حيث كان وقال ابن عطاء : { المساجد } : الآراب{[11376]} التي يسجد عليها ، واحدها مسجد بفتح الجيم ، وقال سعيد بن جبير : نزلت الآية لأن الجن قالت يا رسول الله : كيف نشهد الصلاة معك على نأينا عنك : فنزلت الآية يخاطبهم بها على معنى أن عبادتكم حيث كنتم مقبولة .

وقال الخليل بن أحمد : معنى الآية ، ولأن { المساجد لله فلا تدعوا } أي لهذا السبب ، وكذلك عنده { لإيلاف قريش } [ قريش : 1 ] { فليعبدوا }{[11377]} [ قريش : 3 ] وكذلك عنده { وأن هذه أمتكم أمة واحدة{[11378]} } [ الأنبياء : 92 ، المؤمنون : 52 ] . و { المساجد } المخصوصة بينة التمكن في كونها لله تعالى فيصح أن تفرد للصلاة والدعاء وقراءة العلم ، وكل ما هو خالص لله تعالى ، وأن لا يتحدث بها في أمور الدنيا . ولا يتخذ طريقاً ، ولا يجعل فيها لغير الله نصيب ، ولقد قعدت للقضاء بين المسلمين في المسجد الجامع بالمرية مدة ، ثم رأيت فيه من سوء المتخاصمين وأيمانهم وفجور الخصام وعائلته ودخول النسوان ما رأيت تنزيه البيت عنه فقطعت القعود للأحكام فيه .


[11376]:الآراب: جمع إرب وهو العضو، يقال: السجود على سبعة آراب، أي أعضاء.
[11377]:الآيات (1،2،3) من سورة قريش.
[11378]:من الآية 92 من سورة الأنبياء.