معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ} (84)

قوله تعالى : { فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر }

وذلك أنه قال له : اركض برجلك فركض برجله فنبعت عين ماء بارد فأمره أن يغتسل منها ففعل فذهب كل داء كان بظاهره ، ثم مشى أربعين خطوة فأمره أن يضرب برجله الأرض مرة أخرى ففعل فنبعت عين ماء بارد ، فأمره فشرب منها فذهب كل داء كان بباطنه كأصح ما يكون من الرجال وأجملهم . { وآتيناه أهله ومثلهم معهم } واختلفوا في ذلك ، فقال ابن مسعود و قتادة ، وابن عباس ، و الحسن ، وأكثر المفسرين : رد الله عز وجل إليه أهله وأولاده بأعيانهم أحياهم الله له وأعطاهم مثلهم معهم ، وهو ظاهر القرآن . قال الحسن : آتاه الله المثل من نسل ماله الذي رد الله إليه وأهله يدل عليه ما روي عن الضحاك عن ابن عباس أن الله عز وجل رد إلى المرأة شبابها فولدت له ستة وعشرين ذكراً . قال وهب كان له سبع بنات وثلاثة بنين . وقال ابن يسار : كان له سبع بنين وسبع بنات . وروي عن أنس يرفعه : أنه كان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير ، فبعث الله عز وجل سحابتين فأفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض . وروي أن الله تعالى بعث إليه ملكاً وقال له : إن ربك يقرئك السلام بصبرك فأخرج على أندرك ، فخرج إليه فأرسل الله عليه جراداً من ذهب فطارت واحدة فاتبعها وردها إلى أندره ، فقال له الملك : أما يكفيك ما في أندرك ؟ فقال هذه بركة من بركات ربي ولا أشبع من بركته .

أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي ، أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أنا محمد بن الحسين القطان ، أنا أحمد بن يوسف السلمي ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر عن همام بن منبه ، قال : أنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أيوب يغتسل عرياناً خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه ، فناداه ربه يا أيوب : ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال : بلى ، وعزتك ، ولكن لا غنى لي عن بركتك " . وقال قوم : آتى الله أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا فأما الذين هلكوا فإنهم لم يردوا عليه في الدنيا . قال عكرمة : قيل لأيوب : إن أهلك لك في الآخرة فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا وإن شئت كانوا لك في الآخرة ، وآتيناك مثلهم في الدنيا فقال : يكونون لي في الآخرة ، وأوتى مثلهم في الدنيا ، فعلى هذا يكون معنى الآية : وآتيناه أهله في الآخرة ومثلهم معهم في الدنيا وأراد بالأهل الأولاد { رحمة من عندنا } أي نعمة من عندنا ، { وذكرى للعابدين } أي : عظة وعبرة لهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ} (84)

48

وفي اللحظة التي توجه فيها أيوب إلى ربه بهذه الثقة وبذلك الأدب كانت الاستجابة ، وكانت الرحمة ، وكانت نهاية الابتلاء : ( فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ، وآتيناه أهله ومثلهم معهم ) . .

رفع عنه الضر في بدنه فإذا هو معافى صحيح . ورفع عنه الضر في أهله فعوضه عمن فقد منهم ، ورزقه مثلهم . وقيل هم أبناؤه فوهب الله له مثليهم . أو أنه وهب له أبناء وأحفادا .

( رحمة من عندنا ) فكل نعمة فهي رحمة من عند الله ومنة . ( وذكرى للعابدين ) . تذكرهم بالله وبلائه ، ورحمته في البلاء وبعد البلاء . وإن في بلاء أيوب لمثلا للبشرية كلها ؛ وإن في صبر أيوب لعبرة للبشرية كلها . وإنه لأفق للصبر والأدب وحسن العاقبة تتطلع إليه الأبصار .

والإشارة( للعابدين ) بمناسبة البلاء إشارة لها مغزاها . فالعابدون معرضون للابتلاء والبلاء . وتلك تكاليف العبادة وتكاليف العقيدة وتكاليف الإيمان . والأمر جد لا لعب . والعقيدة أمانة لا تسلم إلا للأمناء القادرين عليها ، المستعدين لتكاليفها وليست كلمة تقولها الشفاه ، ولا دعوى يدعيها من يشاء . ولا بد من الصبر ليجتاز العابدون البلاء . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ} (84)

يذكر تعالى عن أيوب ، عليه السلام ، ما كان أصابه من البلاء ، في ماله وولده وجسده{[19748]} ، وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير ، وأولاد كثيرة ، ومنازل مرضية . فابتلي في ذلك كله ، وذهب عن آخره ، ثم ابتلي في جسده - يقال : بالجذام في سائر بدنه ، ولم يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه ، يذكر بهما الله عز وجل ، حتى عافه الجليس ، وأفردَ في ناحية من البلد ، ولم يبق من الناس أحد{[19749]} يحنو عليه سوى زوجته ، كانت تقوم بأمره{[19750]} ، ويقال : إنها احتاجت فصارت تخدم الناس من أجله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل " {[19751]} وفي الحديث الآخر : " يبتلى الرجل على قدر دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه " {[19752]} .

وقد كان نبي الله أيوب ، عليه السلام ، غاية في الصبر ، وبه يضرب المثل في ذلك .

وقال يزيد بن ميسرة : لما ابتلى الله أيوب ، عليه السلام ، بذهاب الأهل والمال والولد ، ولم له يبق شيء ، أحسن الذكر ، ثم قال : أحمدك رب الأرباب ، الذي أحسنت إلي ، أعطيتني المال والولد ، فلم يبق من قلبي شعبة ، إلا قد دخله ذلك ، فأخذت ذلك كله مني ، وفرَّغت قلبي ، ليس يحول بيني وبينك شيء ، لو يعلم عدوي إبليس بالذي صنعت ، حسدني . قال : فلقي إبليس من ذلك منكرًا .

قال : وقال أيوب ، عليه السلام : يا رب ، إنك أعطيتني المال والولد ، فلم يقم على بابي أحد يشكوني لظلم ظلمته ، وأنت تعلم ذلك . وأنه كان يوطأ لي الفراش فأتركها وأقول لنفسي :

يا نفس ، إنك لم تخلقي لوطء الفرش{[19753]} ، ما تركت ذلك إلا ابتغاء وجهك . رواه ابن أبي حاتم .

وقد ذكر عن وهب بن منبه في خبره قصة طويلة ، ساقها ابن جرير وابن أبي حاتم بالسند عنه ، وذكرها غير واحد من متأخري المفسرين ، وفيها غرابة تركناها لحال الطول{[19754]} .

وقد روى أنه مكث في البلاء مدة طويلة ، ثم اختلفوا في السبب المهيج له على هذا الدعاء ، فقال الحسن وقتادة ، ابتلي أيوب ، عليه السلام ، سبع سنين وأشهرًا ، ملقى على كُنَاسَة بني إسرائيل ، تختلف الدواب في جسده ففرج الله عنه ، وعَظَمَّ له الأجر ، وأحسن عليه الثناء .

وقال وهب بن منبه : مكث في البلاء ثلاث سنين ، لا يزيد ولا ينقص .

وقال السدي : تساقط لحم أيوب حتى لم يبق إلا العصب والعظام ، فكانت امرأته تقوم عليه وتأتيه بالزاد يكون فيه ، فقالت له امرأته لما طال وجعه : يا أيوب ، لو دعوت ربك{[19755]} يفرج عنك ؟ فقال : قد عشت سبعين سنة صحيحًا ، فهل{[19756]} قليل لله أن أصبر له سبعين سنة ؟ فجَزَعت من ذلك فخرجت ، فكانت تعمل للناس بأجر وتأتيه بما تصيب فتطعمه ، وإن إبليس انطلق إلى رجلين من فلسطين كانا صديقين له وأخوين ، فأتاهما فقال : أخوكما أيوب أصابه من البلاء كذا وكذا ، فأتياه وزوراه واحملا معكما من خمر أرضكما ، فإنه إن شرب منه بَرَأ . فأتياه ، فلما نظرا إليه بكيا ، فقال : من أنتما ؟ فقالا{[19757]} : نحن فلان وفلان ! فرحَّب بهما وقال : مرحبًا بمن لا يجفوني عند البلاء ، فقالا يا أيوب ، لعلك كنت تُسر شيئًا وتظهر غيره ، فلذلك ابتلاك الله ؟ فرفع رأسه إلى السماء ثم قال : هو يعلم ، ما أسررت شيئًا أظهرت غيره . ولكن ربي ابتلاني لينظر أأصبر أم أجزع ، فقالا له : يا أيوب ، اشرب من خمرنا فإنك إن شربت منه بَرَأت . قال : فغضب وقال جاءكما الخبيث فأمركما بهذا ؟ كلامكما وطعامكما وشرابكما عليّ حرام . فقاما من عنده ، وخرجت امرأته تعمل للناس فخبزت لأهل بيت لهم صبي ، فجعلت لهم قرصًا{[19758]} ، وكان ابنهم نائمًا ، فكرهوا أن يوقظوه ، فوهبوه لها .

فأتت به إلى أيوب ، فأنكره وقال : ما كنت تأتيني بهذا ، فما بالك اليوم ؟ فأخبرته الخبر . قال : فلعل الصبي قد استيقظ ، فطلب القرص فلم يجده فهو يبكي على أهله . [ فانطلقي به إليه . فأقبلت حتى بلغت درجة القوم ، فنطحتها شاة لهم ، فقالت : تعس أيوب الخطاء ! فلما صعدت وجدت الصبي قد استيقظ وهو يطلب القرص ، ويبكي على أهله ]{[19759]} ، لا يقبل منهم شيئًا غيره ، فقالت : رحم الله أيوب فدفعت القرص إليه ورجعت . ثم إن إبليس أتاها في صورة طبيب ، فقال لها : إن زوجك قد طال سُقمه ، فإن أراد أن يبرأ فليأخذ ذبابًا فليذبحه باسم صنم بني فلان فإنه يبرأ ويتوب بعد ذلك . فقالت ذلك لأيوب ، فقال : قد أتاك الخبيث . لله عليّ إن برأت أن أجلدك مائة جلدة . فخرجت تسعى عليه ، فحظر عنها الرزق ، فجعلت لا تأتي أهل بيت فيريدونها ، فلما اشتد عليها ذلك وخافت على أيوب لجوع حلقت من شعرها قرنًا فباعته من صبية من بنات الأشراف ، فأعطوها طعامًا طيبًا كثيرًا فأتت به أيوب ، فلما رآه أنكره وقال : من أين لك هذا ؟ قالت : عملت لأناس فأطعموني . فأكل منه ، فلما كان الغد خرجت فطلبت أن تعمل فلم تجد فحلقت أيضًا قرنًا فباعته من تلك الجارية ، فأعطوها من ذلك الطعام ، فأتت به أيوب ، فقال : والله لا أطعمه حتى أعلم من أين هو ؟ فوضعت خمارها ، فلما رأى رأسها محلوقًا جزع جزعًا شديدًا ، فعند ذلك دعا ربه عز وجل : { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن نَوْف البِكَالي ؛ أن الشيطان الذي عرج في أيوب كان يقال له : " سوط " {[19760]} ، قال : وكانت امرأة أيوب تقول : " ادع الله فيشفيك " ، فجعل لا يدعو ، حتى مر به نفر من بني إسرائيل ، فقال بعضهم لبعض : ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه ، فعند ذلك قال : " رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " .

وحدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا جرير بن حازم ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب ، عليه السلام ، أخوان فجاءا يومًا ، فلم يستطيعا أن يدنوا منه ، من ريحه ، فقاما من بعيد ، فقال أحدهما للآخر : لو كان الله علم من أيوب خيرًا ما ابتلاه بهذا ؟ فجزع أيوب من قولهما جَزعا لم يجزع من شيء قط ، فقال : اللهم ، إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان{[19761]} وأنا أعلم مكان جائع ، فصدقني . فصدق من السماء وهما يسمعان . ثم قال : اللهم ، إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط ، وأنا أعلم مكان عار ، فَصَدقني فصدق من السماء وهما يسمعان . اللهم{[19762]} بعزتك ثم خر ساجدًا ، ثم قال{[19763]} اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبدًا حتى تكشف عني . فما رفع رأسه حتى كشف عنه .

وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعًا بنحو هذا فقال : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب أخبرني نافع بن يزيد ، عن عُقَيل ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد ، إلا رجلين من إخوانه ، كانا من أخص إخوانه ، كانا{[19764]} يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدهما لصاحبه : تَعَلَّم - والله - لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين . فقال له صاحبه : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف{[19765]} ما به . فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ، فقال أيوب ، عليه السلام : ما أدري ما تقول ، غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله ، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما ، كراهة أن يذكرا الله إلا في حق . قال : وكان يخرج في حاجته{[19766]} ، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ ، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه ، فأوحى إلى أيوب في مكانه : أن اركض برجلك ، هذا مغتسل بارد وشراب " {[19767]} .

رفع هذا الحديث غريب جدًا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، أخبرنا علي بن زيد ، عن يوسف بن مِهْران ، عن ابن عباس ، قال : وألبسه الله حلة من الجنة ، فتنحى أيوب فجلس في ناحية ، وجاءت امرأته ، فلم تعرفه ، فقالت : يا عبد الله ، أين ذهب المبتلى الذي كان هاهنا ؟ لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب ، فجعلت تكلمه ساعة ، فقال : ويحك ! أنا أيوب ! قالت : أتسخر مني يا عبد الله ؟ فقال : ويحك ! أنا أيوب ، قد رد الله علي جسدي .

وبه قال ابن عباس : ورد عليه ماله وولده عيانا ، ومثلهم معهم .

وقال وهب بن منبه : أوحى الله إلى أيوب : قد رددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم ، فاغتسل بهذا الماء ، فإن فيه شفاءك ، وقرب عن صاحبتك{[19768]} قربانًا ، واستغفر لهم ، فإنهم قد عصوني فيك . رواه ابن أبي حاتم .

[ وقال ]{[19769]} أيضًا : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن النضر ابن أنس ، عن بَشير{[19770]} بن نَهِيك ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما عافى الله أيوب ، أمطر عليه جرادًا من ذهب ، فجعل يأخذ بيده ويجعله في ثوبه " . قال : " فقيل له : يا أيوب ، أما تشبع ؟ قال : يا رب ، ومن يشبع من رحمتك " .

أصله في الصحيحين{[19771]} ، وسيأتي في موضع آخر .

وقوله : { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ } قد تقدم عن ابن عباس أنه قال : ردوا عليه بأعيانهم . وكذا رواه العوفي ، عن ابن عباس أيضًا . وروي مثله عن ابن مسعود ومجاهد ، وبه قال الحسن وقتادة .

وقد زعم بعضهم أن اسم زوجته رحمة ، فإن كان أخذ ذلك من سياق الآية فقد أبعد النَّجْعَة ، وإن كان أخذه من نقل أهل الكتاب ، وصح ذلك عنهم ، فهو مما لا يصدق ولا يكذب . وقد سماها ابن عساكر في تاريخه - رحمه الله تعالى - قال : ويقال : اسمها ليا ابنة مِنَشَّا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، قال : ويقال : ليا بنت يعقوب ، عليه السلام ، زوجة أيوب كانت معه بأرض البَثَنيَّة .

وقال مجاهد : قيل له : يا أيوب ، إن أهلك لك في الجنة ، فإن شئت أتيناك بهم ، وإن شئت تركناهم لك في الجنة ، وعوضناك مثلهم . قال : لا بل اتركهم لي في الجنة . فتُركوا له في الجنة وعوض مثلهم في الدنيا .

وقال حماد بن زيد ، عن أبي عمران الجَوْني ، عن نَوف البِكَالي قال : أوتي أجرهم في الآخرة ، وأعطي مثلهم في الدنيا . قال : فحدثت به مُطَرَّفا ، فقال : ما عرفت وجهها قبل اليوم .

وهكذا روي عن قتادة ، والسدي ، وغير واحد من السلف ، والله أعلم .

وقوله : { رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا } أي : فعلنا به ذلك رحمة من الله به ، { وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } أي : وجعلناه في ذلك قدوة ، لئلا يظن أهل البلاء إنما فعلنا بهم ذلك{[19772]} لهوانهم علينا ، وليتأسوا به في الصبر على مقدورات الله وابتلائه لعباده بما{[19773]} يشاء ، وله الحكمة البالغة في ذلك .


[19748]:- في ف : "وجسده وولده".
[19749]:- في ف : "أحد من الناس".
[19750]:- في ف : "بأوده".
[19751]:- رواه أحمد في المسند (1/172) والترمذي في السنن برقم (2398) وابن ماجه في السنن برقم (4023) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
[19752]:- هو جزء من الحديث المتقدم ، والله أعلم.
[19753]:- في ف : "الفراش".
[19754]:- تفسير الطبري (1/42).
[19755]:- في ف ، أ : "الله".
[19756]:- في أ : "فهو".
[19757]:- في ف ، أ : "قالا".
[19758]:- في ف ، أ : "قرصة".
[19759]:- زيادة من ف ، أ.
[19760]:- في ف ، أ : "مبسوط".
[19761]:- في ف : "شبعانا".
[19762]:- في ف ، أ : "ثم قال : اتللهم".
[19763]:- في ف : "فقال".
[19764]:- في ف ، أ : "له".
[19765]:- في ف : "فكشف".
[19766]:- في ف : "حاجة".
[19767]:- ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (2091) "موارد" من طريق حرملة بن يحيى عن ابن وهب بنحوه.
[19768]:- في ف : "صحابتك".
[19769]:- زيادة من أ.
[19770]:- في ف : "بشر".
[19771]:- ورواه الحاكم في المستدرك (2/582) من طرق عن عمرو بن مرزوق به ، وسيأتي أصل الحديث في صحيح البخاري عند تفسير الآية : 42 من سورة ص.
[19772]:- في ف : "إنما فعل ذلك بهم".
[19773]:- في ف : "فيما".

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ} (84)

{ فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر } بالشفاء من مرضه . { وآتيناه أهله ومثلهم معهم } بأن ولد له ضعف ما كان أو أحيي ولده وولد له منهم نوافل . { رحمة من عندنا وذكرى للعابدين } رحمة على أيوب وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر فيثابوا كما أثيب أو لرحمتنا للعابدين فإنا نذكرهم بالإحسان ولا ننساهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ} (84)

لكون ثناء أيوب تعريضاً بالدعاء فرع عليه قوله تعالى : { فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر } . والسين والتاء للمبالغة في الإجابة ، أي استجبنا دعوته العُرْضية بإثر كلامه وكشفنا ما به من ضرّ ، إشارة إلى سرعة كشف الضرّ عنه ، والتعقيب في كل شيء بحَسَبه ، وهو ما تقتضيه العادة في البُرء وحصوللِ الرزق وولادة الأولاد .

والكشف : مستعمل في الإزالة السريعة . شبهت إزالة الأمراض والأضرار المتمكنة التي يعتاد أنها لا تزول إلا بطول بإزالة الغطاء عن الشيء في السرعة .

والموصول في قوله تعالى : { ما به من ضر } مقصود منه الإبهام . ثم تفسيره ب ( مِن ) البيانية لقصد تهويل ذلك الضرّ لكثرة أنواعه بحيث يطول عدّها . ومثله قوله تعالى : { وما بكم من نعمة فمن الله } [ النحل : 53 ] إشارة إلى تكثيرها . ألا ترى إلى مقابلته ضدها بقوله تعالى : { ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } [ النحل : 53 ] ، لإفادة أنهم يهرعون إلى الله في أقل ضرّ وينسون شكره على عظيم النعم ، أي كشفنا ما حلّ به من ضرّ في جسده وماله فأعيدت صحته وثروته .

والإيتاء : الإعطاء ، أي أعطيناه أهله ، وأهل الرجل أهل بيته وقرابته . وفهم من تعريف الأهل بالإضافة أن الإيتاء إرجاع ما سلب منه من أهل ، يعني بموت أولاده وبناته ، وهو على تقدير مضاف بيّن من السياق ، أي مثل أهله بأن رُزق أولاداً بعدد ما فَقَد ، وزاده مثلهم فيكون قد رزق أربعة عشر ابناً وست بنات من زوجه التي كانت بلغت سنّ العقم .

وانتصب { رحمةً } على المفعول لأجله . ووصفت الرحمة بأنها من عند الله تنويهاً بشأنها بذكر العندية الدالة على القرب المراد به التفضيل . والمراد رحمة بأيوب إذ قال { وأنت أرحم الراحمين } .

والذكرى : التذكير بما هو مظنة أن ينسى أو يغفل عنه . وهو معطوف { على رحمة } فهو مفعول لأجله ، أي وتنبيهاً للعابدين بأن الله لا يترك عنايته بهم .

وبما في { العابدين } من العموم صارت الجملة تذييلاً .