اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ} (84)

قوله :{ فاستجبنا لَهُ } يدل على أنه دَعَا ربَّه لكن هذا الدعاء يجوز أن يكون وقع منه على سبيل التعريض ، كما يقال : إن رأيت لو أردت أو أجبت فافعل كذا ، ويجوز أن يكون على سبيل التصريح{[29322]} لإزالة ما به من ضر . وبيّن تعالى أنه آتاه أهله ، ويدخل فيه من ينسب إليه من زوجة وولد وغيرهما قال ابن مسعود وابن عباس وقتادة ومقاتل والحسن والكلبي{[29323]} وكعب : إن الله تعالى أحيا له أهله ، يعني أولاده بأعيانهم ، وأعطاه{[29324]} مثلهم معهم وهو ظاهر القرآن{[29325]} .

قال الحسن{[29326]} : آتاه الله المثل من نسل ماله الذي رده إليه وأهله ، ويدل عليه ما روى الضحاك عن ابن عباس : أن الله رد إلى المرأة شبابها فولدت له ستة وعشرين ذكراً . قال وهب : كان له سبع بنات وثلاثة بنين .

وقال ابن يسار : كان له سبعة بنين وسبع بنات . وروي عن أنس يرفعه : أنه كان له أندران أندر للقمح وأنذر للشعير ، فبعث الله سحابتين فأفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب{[29327]} ، وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض{[29328]} .

وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَاناً خَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ ، فجعل أيّوب يَحْثى في ثوبه ، فناداه ربُّه : يا أيوب ألم أكن أَغْنَيْتُكَ عَمَّا ترى ؟ قال : بلى يا رب ، ولكن لا غنى عن بركتك »{[29329]} وروى الليث قال : أرسل مجاهد إلى عكرمة وسأله عن الآية فقال : قيل لأيوب{[29330]} إن أهلك لك في الآخرة فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا وإن شئت كانوا لك في الآخرة وآتيناك مثلهم في الدنيا ، فقال : يكونون لي في الآخرة وأوتي مثلهم في الدنيا{[29331]} فعلى هذا يكن معنى الآية { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ } في الآخرة { وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } في الدنيا . وأراد بالأهل الأولاد . فأما الذين أهلكوا فإنَّهم لم يردوا عليه في الدنيا .

قوله : { رَحْمَةً } فيها وجهان :

أظهرهما : أنها مفعول من أجله .

والثاني : أنها مصدر لفعل مقدر ، أي : رحمناه رحمةً{[29332]} .

و { مِنْ عِنْدِنَا } صِفَة ل «رَحْمَةً » .

قوله : { وذكرى لِلْعَابِدِينَ } أي : فعل به تلك الرحمة ، وهي النعمة لكي يتفكروا فيه بالذكر ، ويتعظون فيعتبرون . وخص العابدين ، لأنهم المنتفعون بذلك{[29333]} .


[29322]:في ب: التضرع.
[29323]:في ب: الكعبي.
[29324]:في الأصل: وأعطاهم.
[29325]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/209-210.
[29326]:من هنا نقله ابن عادل عن البغوي 5/518-519.
[29327]:في الأصل: المذهب. وهو تحريف.
[29328]:آخر ما نقله هنا عن البغوي 5/518-519.
[29329]:أخرجه البخاري (غسل) 1/231، النسائي (غسل) 1/21، أحمد 2/314.
[29330]:في الأصل: أيوب.
[29331]:انظر الفخر الرازي 22/210.
[29332]:انظر التبيان 2/924.
[29333]:انظر الفخر الرازي 22/210.