مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ} (84)

أما قوله تعالى : { فاستجبنا له } فإنه يدل على أنه دعا ربه ، لكن هذا الدعاء قد يجوز أن يكون واقعا منه على سبيل التعريض ، كما يقال إن رأيت أو أردت أو أحببت فافعل كذا . ويجوز أن يكون على سبيل التصريح وإن كان الأليق بالأدب وبدلالة الآية هو الأول ، ثم إنه سبحانه بين أن كشف ما به من ضر وذلك يقتضي إعادته إلى ما كان في بدنه وأحواله ، وبين الله تعالى أنه آتاه أهله ويدخل فيه من ينسب إليه من زوجة وولد وغيرهما ثم فيه قولان : أحدهما : وهو قول ابن مسعود وابن عباس وقتادة ومقاتل والكلبي وكعب رضي الله عنهم أن الله تعالى أحيا له أهله يعني أولاده بأعيانهم . والثاني : روى الليث رضي الله عنه ، قال : أرسل مجاهد إلى عكرمة وسأله عن الآية فقال : قيل له إن أهلك لك في الآخرة فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا ، وإن شئت كانوا لك في الآخرة وآتيناك مثلهم في الدنيا . فقال : يكونون لي في الآخرة وأوتي مثلهم في الدنيا . والقول الأول أولى لأن قوله : { وآتيناه أهله } يدل بظاهره على أنه تعالى أعادهم في الدنيا وأعطاه معهم مثلهم أيضا .

وأما قوله تعالى : { وذكرى للعابدين } ففيه دلالة على أنه تعالى فعل ذلك لكي يتفكر فيه فيكون داعية للعابدين في الصبر والإحتساب ، وإنما خص العابدين بالذكر [ ى ] لأنهم يختصون بالانتفاع بذلك .