فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ} (84)

فأخبر الله سبحانه باستجابته لدعائه فقال :{ فاستجبنا له } نداءه الذي في ضمنه الدعاء { فكشفنا ما به من ضر } أي شفاه الله مما كان به وأعاده بما ذهب عليه . وقال له اركض برجلك فركض فنبعت عين ماء ، فأمره أن يغتسل منها ، ففعل فذهب كل داء كان بظاهره ، ثم مشى أربعين خطوة ، فأمره أن يضرب برجله الأرض مرة أخرى ففعل فنبعت عين ماء بارد ، فأمره أن يشرب منها ، فشرب فذهب كل داء كان بباطنه ، فصار كأصح ما كان .

عن عبد الله بن عمير قال : كان لأيوب أخوان جاءا يوما فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقام من بعيد ، فقال أحدهما للآخر : لو كان علم الله من أيوب خيرا ما ابتلاه بهذا ، فجزع أيوب من قولهما جزعا لم يجزع من شيء قط مثله ، فقال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعانا وأنا أعلم مكان جائع فصدقني ، فصدق من السماء وهما يسمعان .

ثم قال : اللهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصا قط وأنا أعلم مكان عار فصدقني فصدق من السماء وهما يسمعان ، ثم خر ساجدا وقال : اللهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني ، فما رفع رأسه حتى كشف الله عنه ، وقد رواه ابن أبي حاتم مرفوعا بنحو هذا .

{ وآتيناه أهله ومثلهم معهم } قيل تركهم الله عز وجل وأعطاه مثلهم في الدنيا . قال النحاس : والإسناد بذلك صحيح ، وقد كان مات أهله جميعا إلا امرأته فأحياهم الله في أقل من طرف البصر وآتاه مثلهم معهم ، وهو ظاهر القرآن ، وبه قال أكثر المفسرين ، وكان له سبع بنين وسبع بنات . وقيل كان ذلك بأن ولد له ضعف الذين أماتهم الله ؛ فيكون معنى الآية على هذا آتيناه مثل أهله ومثلهم معهم . وعن مجاهد قال : قيل له يا أيوب إن أهلك لك في الجنة فإنه شئت آتيناك بهم وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم ، قال له بل اتركهم لي في الجنة ، قال فتركوا له في الجنة وعوض مثلهم في الدنيا ، وقال ابن مسعود : أوتي أهله بأعيانهم ومثلهم معهم .

وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه ، كانا من أخص إخوانه ، كانا يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد ، قال وما ذاك ؟ قال منذ ثماني عشرة سنة ولم يرحمه الله فيكشف عنه ما به .

فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك ، فقال أيوب لا أدري ما نقول غير أن الله يعلم أني أمر بالرجلين يتنازعان يذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكف عنهما كراهة أن يذكر الله إلا في حق ) {[1212]} وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيديه حتى يبلغ ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ، فاستبطأته فتلقته وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن مما كان ، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك ، رأيت نبي الله المبتلى ؟ والله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا ، قال فإني أنا هو .

قال وكان له أندران ، أندر للقمح وأندر للشعير ، فبعث الله سحابتين ، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض .

وأندر هو البيدر بلغة أهل الشام والجمع الأنادر ؛ والبيدر موضع يداس فيه الطعام ، وأندر اسم جنس فيكون مصروفا { رحمة من عندنا } أي آتيناه ذلك لرحمتنا له { وذكرى للعابدين } أي وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر فيثابوا كثوابه ، واختلف في مدة إقامته على البلاء ، فقيل سبعة سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ليال ؛ وقيل ثلاثين سنة ، وقيل ثماني عشرة سنة .

قال الكرخي : وهذا القول هو الصحيح ، وعاش أيوب ثلاثا وستين سنة وكان أيوب رجلا من الروم ، ينتسب للعيص بن إسحاق ، وكانت أمه من ولد لوط بن هاران .


[1212]:المستدرك كتاب التاريخ 2/581.