ثم قال : { رحمة من عندنا وذكرى للعابدين }[ 83 ] .
أي : ورحمناه رحمة ليتذكروا بذلك ويتعظوا .
وروى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مكث أيوب به بلاؤه ثمانية عشر سنة . فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان ويروحان عليه ، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : تعلم ، والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين ، له ثمان عشر سنة بهذا الضر ، لم يرحمه الله فيكشف ما به ، فأخبر الذي يقول أيوب بقول صاحبه بحضرتهما ، فقال أيوب : ما أدري ما تقولان ، غير أن الله يعلم إن كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله ويحلفان ، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق{[46218]} .
وروي عن الليث أنه قال : كان الذي أصاب أيوب أنه دخل مع أهل قريته على ملكهم جبار من الجبابرة في بعض ما كان من ظلمة للناس ، فكلموه ، فأبلغوا في كلامهم ، فرفق أيوب في كلامه مخافة منه على زرعه ، فقال الله له : يا أيوب أتقيت عبدا من عبيدي من أجل زرعك ، فنزل به ما نزل ذكره ابن وهب .
وعن الليث{[46219]} أنه قال : بلغني أنه قيل لأيوب صلوات الله عليه : مالك لا تسأل الله العافية ؟ قال : إني لأستحي من الله أن أسأله العافية حتى يمر بي من البلاء ما مر بي من الرخاء .
وقيل : إن الذي كان حدث به داء يقال له الأكلة ، فكان جسمه يتآكل ويتساقط حتى شغل عن القيام بماله ، فذهب ماله وزال جميع ملكه ، وحتى أن قومه أخرجوه من جوارهم ، فصار في طريق من أطراف{[46220]} البلاد بحيث لا يجد فيه غذاء إلا ما يجده الفقراء الزمناء ، وهو صابر مع ذلك ، يحتسب ، عارف بعدل الله في ذلك أنه لم يختر له ، ولا فعل به إلا ما حسن نظره في باب الدين أو أنه فعل ذلك به ليعوضه من نعيم الجنة ما هو أنفع له وأصلح مما سلبه من ماله وصحة جسمه ، فكان إبليس اللعين يؤذيه بالوسوسة ، ويؤذي أهله ذلك ، ويوسوس إلى جيرانه في إخراجه عنهم ، وإبعاده منهم . فعند ذلك دعا الله في كشف ما به ، فاستجاب له لا إله إلا هو ، فكشف ضره ، ورزقه من المال والأهل أكثر مما كان قبل ذلك .
قوله : { وذكرى للعابدين } قيل : معناه : ليتعظ العابدون فيما يصيبهم من المحن بأيوب ، فيصبروا ويحتسبوا ذلك عند الله ، كما فعل أيوب . ولا يجوز لأحد أن يتأول في قوله تعالى : { أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } فهو الذي أمرضه ، وألقى الضر في بدنه ، ولا يكون ذلك إلا من عند الله وبأمره وإرادته يفعل ما يشاء ، ويبتلى عباده بما يشاء ، ليكفر عنهم سيئاتهم ، وليثيبهم بما أصابهم . ففي كل قدر قدره الله على العبد المؤمن خير له ، إما في عاجل أمره أو آجله ، فعلى هذا يعبد الله من فهم عنه .
وقيل{[46221]} : إن الذي أصابه إبليس ، إنما هو ما وسوس إليه به وإلى أهله ، فكان ذلك الذي شكا به إلى الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.