الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ} (84)

فحينئذٍ دعا رَبَّهُ سبحانه فاستجاب له ، وكانت امرأته غائبةً عنه في بعض شأنها ، فأنبع اللَّه تعالى له عيناً ، وأُمِرَ بالشرب منها فبرىء باطنه ، وأُمِرَ بالاغتسال فبرىء ظاهره ، ورُدَّ إلى أفضل جماله ، وأوتي بأحسن ثياب ، وهبَّ عليه رجل من جراد من ذهب فجعل يحتفن منه في ثوبه ، فناداه ربه سبحانه وتعالى : ( يا أيوب ألمْ أكنْ أغنيتك عن هذا ؟ فقال : بلى يا رب ، ولكن لا غنى بي عن بركتك ) فبينما هو كذلك إذ جاءت امرأته ، فلم تره في الموضع ، فجزعت وَظَنَّتْ أَنَّهُ أزيل عنه ، فجعلت تتولَّهُ رضي اللَّه عنها ، فقال لها : ما شَأْنُكِ أيتها المرأة ؟ فهابته لحسن هيئته ، وقالت : إنِّي فقدت مريضاً لي في هذا الموضع ، ومعالم المكانِ قد تغيرت ، وتأملته في أثناءِ المقاولة فرأت أيوبَ ، فقالت له : أنت أيوبُ ؟ فقال لها : نعم ، واعتنقها ، وبكى ، فَرُوِيَ أنه لم يُفَارِقْهَا حَتَّى أراه اللَّه جميعَ مالِهِ حاضراً بين يديه .

واختلف الناس في أهله وولده الذين آتاه اللَّه ، فقيل : كان ذلك كله في الدنيا فَرَدَّ اللَّه عليه ولده بأعيانهم ، وجعل مثلهم له عدة في الآخرة ، وقيل : بل أُوتي جميع ذلك في الدنيا من أهل ومال .

( ت ) : وقد قَدَّمَ ( ع ) في صدر القصة : أن اللَّه سبحانه أَذِنَ لإبليسَ ( لعنه اللَّه ) في إهلاك مال أيوبَ ، وفي إهلاك بنيه وقرابته ، ففعل ذلك أجمع ، واللَّه أعلم بصحة ذلك ، ولو صَحَّ لوجب تأويله .

وقوله سبحانه : { وذكرى للعابدين } [ الأنبياء : 84 ] أي : وتذكرة وموعظة للمؤمنين ، ولا يعبد اللَّه إلاَّ مؤمن .