غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ} (84)

51

فلما نظر أيوب في شأنه وليس عنده لا طعام ولا شراب ولا صديق وقد ذهبت امرأته خر ساجداً وقال { إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } . فقال : ارفع رأسك فقد استجبت لك { اركض برجلك } [ ص : 42 ] فركض برجله فنبعت عين ماء فاغتسل منها فلم يبق في ظاهر بدنه دابة . إلا سقطت ثم ضرب رجله مرة أخرى فنبعت عين أخرى فشرب منها فلم يبق في جوفه داء إلا خرج وقام صحيحاً ، وعاد إلى شبابه وجماله حتى صار أحسن مما كان حتى ذكر أن الماء الذي اغتسل منه تطاير على صدره جراداً من ذهب فجعل يضمه بيده فأوحي إليه : يا أيوب ألم أغنك ؟ قال : بلى ولكنها بركتك فمن يشبع منها . قال : فخرج حتى جلس على مكان مشرف . ثم إن امرأته قالت : هب أنه طردني أفأتركه حتى يموت وتأكله السباع لأرجعن إليه . فلما رجعت ما رأته في تلك الكناسة ولا تلك الحالة فجعلت تطوف وتبكي فدعاها أيوب وقال : ما تريدين يا أمة الله ؟ فقالت : أردت ذلك المبتلى الذي كان ملقى على الكناسة . فقال : تعرفينه إذا رايته ؟ قالت : وهل يخفى علي أحد يراه . فتبسم قائلاً : أنا هو . فعرفته بضحكه فاعتنقته ثم قال : إنك أمرتني أن أذبح لإبليس وإني أطعت الله وعصيت الشيطان فعافاني الله ببركة ذلك .

الرواية الثالثة : قال الضحاك ومقاتل : بقي في البلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات ، فلما غلب أيوب إبليس ذهب إبليس إلى امرأته على هيئة ليست كهيئة بني آدم في العظم والجسم والجمال على مركب ليس كمراكب الناس وقال لها : أنت صاحبة أيوب ؟ قالت : نعم . قال : فهل تعرفيني ؟ قالت : لا . قال : أنا إله الأرض ، أنا صنعت بأيوب ما صنعت وذلك أنه عبد إله السماء وتركني فأغضبني ولو سجد لي سجدة واحدة رددت عليه وعليك جميع ما لكما من مال وولد فإن ذلك عندي . قال وهب : وسمعت أنه قال : لو أن صاحبك أكل طعاماً ولم يسم الله تعالى لعوفي مما فيه من البلاء . وأيضا قال لها : لو شئت فاسجدي لي سجدة واحدة حتى أرد عليك المال والولد وأعافي زوجك . فرجعت إلى أيوب فأخبرته فقال : أتاك عدوّ الله ليفتنك عن دينك ، ثم أقسم لئن عافاني الله لأجلدنك مائة جلدة وقال عند ذلك { مسني الضر } يعني من طمع إبليس في سجودي وسجود زوجتي له .

الرواية الرابعة قال إسماعيل السدي : إن إبليس تمثل للقوم في صورة بشر وقال : تركتم أيوب في قريتكم أعدى إليكم ما به من العلة ، فأخرجوه إلى باب البلد ثم قال لهم : إن امرأته تدخل عليكم وتعمل وتمس زوجها أما تخافون أن تعدي إليكم علته ، فحينئذ لم يستعملها أحد فتحيرت وكان لها ثلاث ذوائب فعمدت إلى إحداها وقطعتها وباعتها فأعطوها بذلك خبزاً ولحماً فقال أيوب : من أين هذا ؟ قالت : كل فإنه حلال . فلما كان من الغد لم تجد شيئاً فباعت الثانية ، وكذلك فعلت في اليوم الثالث وقالت : كل فإنه حلال . فقال : لا آكل أو تخبريني فأخبرته فبلغ ذلك من أيوب ما الله به عليم فقال : { رب إني مسني الضر } .

والرواية الخامسة قيل : سقطت دودة من فخذه فرفعها وردها غلى موضعها وقال : قد جعلني الله طعمة لك فعضته عضة شديدة فقال : { مسني الضر } فأوحى الله إليه : لولا أني جعلت في كل شعرة منك صبراً لما صبرت . واعلم أن مس الضر ههنا مطلق إلا أنه ورد في " ص " مقيداً وذلك قوله { أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } [ ص : 41 ] فصح أن يكون سنداً لهذه الروايات إلا أن الجبائي طعن فيها بأن الشيطان كيف يقدر على إحداث الأمراض والأسقام والقادر على ذلك قادر على خلق الأجسام وحينئذ يكون إلهاً . وأيضاً إن هذه التأثيرات تنافي قوله سبحانه حكاية عنه { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم } [ إبراهيم : 22 ] والجواب أنه كان بإذن من الله كما حكينا فلا محذور ولا تنافي . وقال ومن البعيد أنه لم يسأل الله إلا عند أمور مخصوصة والجواب أن الأمور مرهونة بأوقاتها . وقال انتهاء أمراض الأنبياء إلى حد التنفير من القبول غير جائز . والجواب المنع ولاسيما بشرط العافية في العاقبة . قوله سبحانه { فكشفنا ما به من ضر } مجمل يقتضي إعادته إلى ما كان في بدنه وأحواله . وقوله : { وآتيناه أهله ومثلهم معهم } تفصيل لذلك المجمل وفيه قولان : الأول قال ابن عباس وابن مسعود وقتادة ومقاتل والكلبي : إن الله تعالى أحيا له أهله يعني أولاده بأعيانهم . والثاني قال الليث : أرسل مجاهد إلى عكرمة وسئل عن الآية فقال : أراد أهلك لك في الآخرة وآتيناك مثلهم في الدنيا . فقد روي أن زوجته ولدت بعد ذلك ستة وعشرين ابناً له . ثم بين الحكمة في ذلك الابتلاء ثم الاستجابة بقوله { رحمة من عندنا } لأيوب { وذكرى } لغيره من العابدين للرحمن أو الرحمة والذكرى كلاهما { للعابدين } لكي يتفكروا فيصبروا كما صبر حتى يثابوا في الدارين كما أثيب . وإنما خص الرحمة والتذكرة بالعابدين لأنهم هم المنتفعون بذلك لا الذين يعبدون الهوى والشيطان . قال أهل البرهان : إنما قال في هذه السورة { رحمة من عندنا } وقال في " ص " { رحمة منا } [ ص : 43 ] لأنه بالغ ههنا في الدعاء بزيادة قوله : { وأنت أرحم الراحمين } فبالغ في الاستجابة لأن لفظ " عند " يدل على مزيد التخصيص وأنه سبحانه تولى ذلك من غير واسطة .

/خ91