فلما نظر أيوب في شأنه وليس عنده لا طعام ولا شراب ولا صديق وقد ذهبت امرأته خر ساجداً وقال { إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } . فقال : ارفع رأسك فقد استجبت لك { اركض برجلك } [ ص : 42 ] فركض برجله فنبعت عين ماء فاغتسل منها فلم يبق في ظاهر بدنه دابة . إلا سقطت ثم ضرب رجله مرة أخرى فنبعت عين أخرى فشرب منها فلم يبق في جوفه داء إلا خرج وقام صحيحاً ، وعاد إلى شبابه وجماله حتى صار أحسن مما كان حتى ذكر أن الماء الذي اغتسل منه تطاير على صدره جراداً من ذهب فجعل يضمه بيده فأوحي إليه : يا أيوب ألم أغنك ؟ قال : بلى ولكنها بركتك فمن يشبع منها . قال : فخرج حتى جلس على مكان مشرف . ثم إن امرأته قالت : هب أنه طردني أفأتركه حتى يموت وتأكله السباع لأرجعن إليه . فلما رجعت ما رأته في تلك الكناسة ولا تلك الحالة فجعلت تطوف وتبكي فدعاها أيوب وقال : ما تريدين يا أمة الله ؟ فقالت : أردت ذلك المبتلى الذي كان ملقى على الكناسة . فقال : تعرفينه إذا رايته ؟ قالت : وهل يخفى علي أحد يراه . فتبسم قائلاً : أنا هو . فعرفته بضحكه فاعتنقته ثم قال : إنك أمرتني أن أذبح لإبليس وإني أطعت الله وعصيت الشيطان فعافاني الله ببركة ذلك .
الرواية الثالثة : قال الضحاك ومقاتل : بقي في البلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات ، فلما غلب أيوب إبليس ذهب إبليس إلى امرأته على هيئة ليست كهيئة بني آدم في العظم والجسم والجمال على مركب ليس كمراكب الناس وقال لها : أنت صاحبة أيوب ؟ قالت : نعم . قال : فهل تعرفيني ؟ قالت : لا . قال : أنا إله الأرض ، أنا صنعت بأيوب ما صنعت وذلك أنه عبد إله السماء وتركني فأغضبني ولو سجد لي سجدة واحدة رددت عليه وعليك جميع ما لكما من مال وولد فإن ذلك عندي . قال وهب : وسمعت أنه قال : لو أن صاحبك أكل طعاماً ولم يسم الله تعالى لعوفي مما فيه من البلاء . وأيضا قال لها : لو شئت فاسجدي لي سجدة واحدة حتى أرد عليك المال والولد وأعافي زوجك . فرجعت إلى أيوب فأخبرته فقال : أتاك عدوّ الله ليفتنك عن دينك ، ثم أقسم لئن عافاني الله لأجلدنك مائة جلدة وقال عند ذلك { مسني الضر } يعني من طمع إبليس في سجودي وسجود زوجتي له .
الرواية الرابعة قال إسماعيل السدي : إن إبليس تمثل للقوم في صورة بشر وقال : تركتم أيوب في قريتكم أعدى إليكم ما به من العلة ، فأخرجوه إلى باب البلد ثم قال لهم : إن امرأته تدخل عليكم وتعمل وتمس زوجها أما تخافون أن تعدي إليكم علته ، فحينئذ لم يستعملها أحد فتحيرت وكان لها ثلاث ذوائب فعمدت إلى إحداها وقطعتها وباعتها فأعطوها بذلك خبزاً ولحماً فقال أيوب : من أين هذا ؟ قالت : كل فإنه حلال . فلما كان من الغد لم تجد شيئاً فباعت الثانية ، وكذلك فعلت في اليوم الثالث وقالت : كل فإنه حلال . فقال : لا آكل أو تخبريني فأخبرته فبلغ ذلك من أيوب ما الله به عليم فقال : { رب إني مسني الضر } .
والرواية الخامسة قيل : سقطت دودة من فخذه فرفعها وردها غلى موضعها وقال : قد جعلني الله طعمة لك فعضته عضة شديدة فقال : { مسني الضر } فأوحى الله إليه : لولا أني جعلت في كل شعرة منك صبراً لما صبرت . واعلم أن مس الضر ههنا مطلق إلا أنه ورد في " ص " مقيداً وذلك قوله { أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } [ ص : 41 ] فصح أن يكون سنداً لهذه الروايات إلا أن الجبائي طعن فيها بأن الشيطان كيف يقدر على إحداث الأمراض والأسقام والقادر على ذلك قادر على خلق الأجسام وحينئذ يكون إلهاً . وأيضاً إن هذه التأثيرات تنافي قوله سبحانه حكاية عنه { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم } [ إبراهيم : 22 ] والجواب أنه كان بإذن من الله كما حكينا فلا محذور ولا تنافي . وقال ومن البعيد أنه لم يسأل الله إلا عند أمور مخصوصة والجواب أن الأمور مرهونة بأوقاتها . وقال انتهاء أمراض الأنبياء إلى حد التنفير من القبول غير جائز . والجواب المنع ولاسيما بشرط العافية في العاقبة . قوله سبحانه { فكشفنا ما به من ضر } مجمل يقتضي إعادته إلى ما كان في بدنه وأحواله . وقوله : { وآتيناه أهله ومثلهم معهم } تفصيل لذلك المجمل وفيه قولان : الأول قال ابن عباس وابن مسعود وقتادة ومقاتل والكلبي : إن الله تعالى أحيا له أهله يعني أولاده بأعيانهم . والثاني قال الليث : أرسل مجاهد إلى عكرمة وسئل عن الآية فقال : أراد أهلك لك في الآخرة وآتيناك مثلهم في الدنيا . فقد روي أن زوجته ولدت بعد ذلك ستة وعشرين ابناً له . ثم بين الحكمة في ذلك الابتلاء ثم الاستجابة بقوله { رحمة من عندنا } لأيوب { وذكرى } لغيره من العابدين للرحمن أو الرحمة والذكرى كلاهما { للعابدين } لكي يتفكروا فيصبروا كما صبر حتى يثابوا في الدارين كما أثيب . وإنما خص الرحمة والتذكرة بالعابدين لأنهم هم المنتفعون بذلك لا الذين يعبدون الهوى والشيطان . قال أهل البرهان : إنما قال في هذه السورة { رحمة من عندنا } وقال في " ص " { رحمة منا } [ ص : 43 ] لأنه بالغ ههنا في الدعاء بزيادة قوله : { وأنت أرحم الراحمين } فبالغ في الاستجابة لأن لفظ " عند " يدل على مزيد التخصيص وأنه سبحانه تولى ذلك من غير واسطة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.