{ وآخرين منهم } وفي آخرين وجهان من الإعراب : أحدهما الخفض ، على الرد إلى الأميين ، مجازه : وفي آخرين ، والثاني النصب ، على الرد إلى الهاء والميم في قوله { ويعلمهم } أي ويعلم آخرين منهم ، أي : المؤمنين الذين يدينون بدينهم ، لأنهم إذا أسلموا صاروا منهم ، فإن المسلمين كلهم أمة واحدة . واختلف العلماء فيهم ، فقال قوم : هم العجم ، وهو قول ابن عمر وسعيد بن جبير ورواية ليث عن مجاهد ، والدليل عليه ما أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن محمد المعلم الطوسي بها ، حدثنا أبو الحسن محمد يعقوب ، أنبأنا أبو النصر محمد بن محمد بن يوسف ، حدثنا الحسين بن سفيان ، وعلي بن طيفور ، وأبو العباس الثقفي قالوا : حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد العزيز ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة قال : " كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه سورة الجمعة ، فلما قرأ : { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } قيل : من هؤلاء يا رسول الله ؟ فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرتين أو ثلاثاً ، قال : وفينا سلمان الفارسي ، قال : فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ، ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء " .
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أنبأنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار ، أنبأنا محمد بن زكريا العذافري ، أنبأنا إسحاق الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن جعفر الجرزي عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو كان الدين عند الثريا لذهب إليه رجل ، أو قال : رجال ، من أبناء فارس حتى يتناولوه " . وقال عكرمة ومقاتل : هم التابعون . وقال ابن زيد : هم جميع من دخل في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد . قوله { لما يلحقوا بهم } أي : يدركوهم ولكنهم يكونون بعدهم . وقيل : { لما يلحقوا بهم } أي في الفضل والسابقة لأن التابعين لا يدركون شأو الصحابة . { وهو العزيز الحكيم . }
( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ، وهو العزيز الحكيم ) . .
وهؤلاء الآخرون وردت فيهم روايات متعددة . .
قال الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " كنا جلوسا عند النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فأنزلت عليه سورة الجمعة ( وآخرين لما يلحقوا بهم )قالوا : من هم يا رسول الله ? فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا ، وفينا سلمان الفارسي ، فوضع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يده على سلمان الفارسي ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء " . فهذا يشير إلى أن هذا النص يشمل أهل فارس . ولهذا قال مجاهد في هذه الآية : هم الأعاجم وكل من صدق النبي [ صلى الله عليه وسلم ] من غير العرب .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا أبو محمد عيسى بن موسى عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي . قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب " ثم قرأ : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) . . يعني بقية من بقي من أمة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] .
وكلا القولين يدخل في مدلول الآية . فهي تدل على آخرين غير العرب . وعلى آخرين غير الجيل الذي نزل فيه القرآن . وتشير إلى أن هذه الأمة موصولة الحلقات ممتدة في شعاب الأرض وفي شعاب الزمان ، تحمل هذه الأمانة الكبرى ، وتقوم على دين الله الأخير .
( وهو العزيز الحكيم ) . . القوي القادر على الاختيار . الحكيم العليم بمواضع الاختيار . .
وقوله : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله .
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن ثور ، عن أبي الغَيث ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ } قالوا : من هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا ، وفينا سلمان الفارسي ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثُّرَيَّا لناله رجال - أو : رجل - من هؤلاء " .
ورواه مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن أبي حاتم ، وابن جرير ، من طرق عن ثور بن زيد الدِّيلي{[28810]} عن سالم أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، به{[28811]}
ففي هذا الحديث دليل على أن هذه السورة مدنية ، وعلى عموم بعثته صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ؛ لأنه فسر قوله : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ } بفارس ؛ ولهذا كتب كتبه إلى فارس والروم وغيرهم من الأمم ، يدعوهم إلى الله عز وجل ، وإلى اتباع ما جاء به ؛ ولهذا قال مجاهد وغير واحد في قوله : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ } قال : هم الأعاجم ، وكل من صدق النبي صلى الله عليه وسلم من غير العرب .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي{[28812]} حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا أبو محمد عيسى بن موسى ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال [ من أصحابي رجالا ]{[28813]} ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب " ثم قرأ : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ } {[28814]} يعني : بقية من بقي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وقوله : { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } أي : ذو العزة والحكمة في شرعه وقدره .
واختلف الناس في المعنيين بقوله : { وآخرين } من هم ؟ فقال أبو هريرة وغيره : أراد فارساً ، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من الآخرون ؟ فأخذ بيد سلمان وقال : «لو كان الدين في الثريا لناله رجال من هؤلاء » . أخرجه مسلم{[11090]} . وقال سعيد بن جبير ومجاهد : أراد الروم والعجم ، فقوله تعالى : { منهم } على هذين القولين : إنما يريد في البشرية والإيمان كأنه قال : وفي آخرين من الناس : وقال مجاهد وعكرمة ومقاتل : أراد التابعين من أبناء العرب{[11091]} ، فقوله : { منهم } يريد به النسب والإيمان ، وقال ابن زيد ومجاهد والضحاك وابن حبان : أراد بقوله : { وآخرين } جميع طوائف الناس ، ويكون منهم في البشرية والإيمان على ما قلناه وذلك أنا نجد بعثه عليه السلام إلى جميع الخلائق ، وقال ابن عمر لأهل اليمن : أنتم هم ، وقوله تعالى : { لما يلحقوا } نفي لما قرب من الحال ، والمعنى أنهم مزمعون أن يلحقوا فهي «لم » زيدت عليها «ما » تأكيداً . قال سيبويه «لما » نفي قولك قد فعل ، و «لن » قولك فعل دون قد .