اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

قوله : { وآخرين منهم } فيه وجهان{[56547]} :

أحدهما : أنه مجرور عطفاً على «الأميين » ، أي : وبعث في آخرين من الأميين و{ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } صفة ل «آخرينَ » .

والثاني : أنه منصوب عطفاً على الضَّمير المنصوب في «يُعلِّمُهُم » .

أي : ويعلم آخرين لم يلحقوا بهم وسيلحقون ، فكلّ من تعلم شريعة محمد صلى الله عليه وسلم إلى آخر الزَّمان فرسول الله صلى الله عليه وسلم معلمه بالقوة ؛ لأنه أصل ذلك الخير العظيم والفضل الجسيم .

قوله : { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } .

أي : لم يكونوا في زمانهم وسيجيئون بعدهم{[56548]} .

قال ابن عمر وسعيد بن جبير : هم العجم{[56549]} .

وفي «صحيح البخاري » ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : «كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت عليه سورة الجمعة ، فلما قرأ : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } قال رجل : من هؤلاء يا رسول الله ؟ فلم يراجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثاً قال : وفينا سلمان الفارسي قال : فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال : " لَوْ كَانَ الإيمانُ عِندَ الثُّريَّا لناله رجالٌ مِنْ هؤلاءِ " ، وفي رواية : " لَوْ كَانَ الدِّينُ عندَ الثُّريَّا لذهب بِهِ رجُلٌ من فارسَ ، أو قال : مِنْ أبْناءِ فِارِسَ حتَّى يتناولهُ " لفظ مسلم{[56550]} .

وقال عكرمة : هم التابعون{[56551]} .

وقال مجاهد : هم الناس كلهم ، يعني من بعد العرب الذين بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم{[56552]} .

وقاله ابن زيد ومقاتل بن حيان ، قالا : هم من دخل الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة{[56553]} .

قال سهل بن سعد الساعدي : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ في أصْلاب أمَّتِي رجالاً ونِساءً يدخُلونَ الجنَّة بغيرِ حسابٍ " ثم تلا : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } والقول الأول أثبتُ{[56554]} .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «رأيتُني أسْقِي غَنَماً سُوداً ثُمَّ أتبعتُهَا غَنَماً عُفْراً أوِّلْها يَا أبا بَكْر » ، قال : يا نبِيَّ الله ، أما السُّودُ فالعربُ ، وأمَّا العُفْرُ فالعجمُ تتبعُك بعد العربِ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «كَذِلكَ أوَّلها الملك يا أبا بكر » «يعني : جبريل عليه السلام ، رواه ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -{[56555]} .


[56547]:ينظر: الدر المصون 6/315.
[56548]:ينظر: القرطبي 18/61.
[56549]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/90) عن ابن عمر ومجاهد وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/321) عن مجاهد وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[56550]:أخرجه البخاري (8/510) كتاب التفسير، باب قوله: "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم..." رقم (4897، 4898) ومسلم (4/1972-1973) كتاب فضائل الصحابة، باب: فضل فارس، رقم (231/2546) والترمذي (5/385) رقم (3310) والنسائي في "الكبرى" (6/490) والطبري في "تفسيره" (12/90) من حديث أبي هريرة.
[56551]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/321) وعزاه إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.
[56552]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/321) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
[56553]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/91) عن ابن زيد.
[56554]:ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/411) وقال: رواه الطبراني وإسناده جيد. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/321) وزاد نسبته إلى ابن مردويه.
[56555]:ينظر تفسير القرطبي (18/161).