فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

{ وآخرين منهم } مجرور عطفا على الأميين ، أي بعثه في الأميين الذين على عهده ، وبعثه في آخرين منهم ، أو منصوب عطفا على الضمير المنصوب في يعلمهم ، أي ويعلم آخرين ، وكل من يعلم شريعة محمد صلى الله عليه وسلم إلى آخر الزمان ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم معلمه بالقوة لأنه أصل ذلك الخير العظيم ، والفضل الجسيم ، أو عطفا على مفعول يزكيهم أي يزكيهم ويزكي آخرين والمراد بالآخرين من جاء بعد الصحابة إلى يوم القيامة ، وقيل : المراد بهم من أسلم من غير العرب ، وقال عكرمة : هم التابعون ، وقال مجاهد : الناس كلهم وكذا قال ابن زيد والسدي .

{ لما يلحقوا بهم } ذلك الوقت وسيلحقون بهم من بعد ، وقيل : في السبق إلى الإسلام والشرف والدرجة وهذا النفي مستمر دائما لأن الصحابة لا يلحقهم ولا يساويهم في شأنهم أحد من التابعين ، ولا ممن بعدهم ، فالمنفي هنا غير متوقع الحصول ، ولذلك لما ورد عليه أن لما تنفي ما هو متوقع الحصول ، والمنفي هنا ليس كذلك ، فسرها المحلي بلم التي منفيها أعم من أن يكون متوقع الحصول أولا ف { لما } هنا ليست على بابها ، والضمير في بهم ومنهم راجع إلى الأميين ، وهذا يؤيد أن المراد بالآخرين هم من يأتي بعد الصحابة من العرب خاصة إلى يوم القيامة ، وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان مرسلا إلى جميع الثقلين فتخصيص العرب هنا لقصد الامتنان عليهم ، وذلك لا ينافي عموم الرسالة ويجوز أن يراد بالآخرين العجم لأنهم وإن لم يكونوا من العرب فقد صاروا بالإسلام مثلهم ، والمسلمون كلهم أمة واحدة ، وإن اختلفت أجناسهم .

و " عن أبي هريرة قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت الجمعة فتلاها ، فلما بلغ { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } قال له رجل : يا رسول الله من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا ؟ فوضع يده على سلمان الفارسي وقال : والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء " أخرجه البخاري وغيره ، وأخرجه أيضا مسلم من حديثه مرفوعا بلفظ : لو كان الإيمان عند الثريا لذهب به رجال من فارس أو قال من أبناء فارس .

وعن قيس بن سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو كان الإيمان بالثريا لناله ناس من أهل فارس " ، أخرجه سعيد بن منصور وابن مردويه .

و " عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن في أصلاب أصلاب رجال من أصحابي رجالا ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب ، ثم قرأ { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } "

{ وهو العزيز الحكيم } أي بليغ العزة والحكمة ، في تمكينه رجلا أميا من ذلك الأمر العظيم ، وتأييده عليه ، واختياره إياه من بين كافة البشر .