قوله تعالى : { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً } ، هذا أمر بمعنى الخبر ، معناه : يدعه في طغيانه ويمهله في كفره ، { حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب } ، وهو الأسر والقتل في الدنيا ، { وإما الساعة } يعني : القيامة ، فيدخلون النار ، { فسيعلمون } عند ذلك { من هو شر مكاناً } منزلاً { وأضعف جنداً } ، أقل ناصراً أهم أم المؤمنون ؟ لأنهم في النار ، والمؤمنون في الجنة وهذا رد عليهم في قوله { أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً } .
يعقب السياق بتلك اللفتة ثم يأمر الرسول [ ص ] أن يدعو عليهم في صورة مباهلة - بأن من كان من الفريقين في الضلالة فليزده الله مما هو فيه ؛ حتى يأتي وعده في الدنيا أو في الآخرة :
( قل : من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ، حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ، ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا ) . .
فهم يزعمون أنهم أهدى من أتباع محمد [ ص ] لأنهم أغنى وأبهى . فليكن ! وليدع محمد ربه أن يزيد الضالين من الفريقين ضلالا ، وأن يزيد المهتدين منهما اهتداء . . حتى إذا وقع ما يعدهم ؛ وهو لا يعدو أن يكون عذاب الضالين في الدنيا بأيدي المؤمنين ، أو عذابهم الأكبر يوم الدين - فعندئذ سيعرفون : أي الفريقين شر مكانا وأضعف جندا .
يقول تعالى : { قُلْ } يا محمد ، لهؤلاء المشركين بربهم المدعين ، أنهم على الحق وأنكم على الباطل : { مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ } أي : منا ومنكم ، { فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا } أي : فأمهله الرحمن{[19095]} فيما هو فيه ، حتى يلقى ربه وينقضي{[19096]} أجله ، { إِمَّا الْعَذَابَ } يصيبه ، { وَإِمَّا السَّاعَةَ } بغتة تأتيه ، { فَسَيَعْلَمُونَ } حينئذ { مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا } [ أي ]{[19097]} : في مقابلة ما احتجوا به من خيرية المقام وحسن الندي .
قال مجاهد في قوله : { فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا } فليدعه الله في طغيانه . هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله .
وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه{[19098]} ، كما ذكر تعالى مباهلة اليهود في قوله : { قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ الجمعة : 6 ] أي : ادعوا على المبطل منا ومنكم بالموت{[19099]} إن كنتم تدعون أنكم على الحق ، فإنه لا يضركم الدعاء ، فنكلوا عن ذلك ، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة " البقرة " مبسوطا ، ولله الحمد . وكما ذكر تعالى المباهلة مع النصارى في سورة " آل عمران " حين{[19100]} صمموا على الكفر ، واستمروا على الطغيان والغلو في دعواهم أن عيسى ولد الله ، وقد ذكر الله حُجَجه وبراهينه على عبودية عيسى ، وأنه مخلوق كآدم ، قال{[19101]} بعد ذلك : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } [ آل عمران : 61 ] فنكلوا أيضًا عن ذلك .
ثم بين أن تمتيعهم استدراج وليس بإكرام وإنما العيار على الفضل والنقص ما يكون في الآخرة بقوله : { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمان مدا } فيمده ويمهله بطول العمر والتمتع به ، وإنما أخرجه على لفظ الأمر إيذانا إمهاله مما ينبغي أن يفعله استدراجا وقطعا لمعاذيره كقوله تعالى : { إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } وكقوله { أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر } { حتى إذا رأوا ما يوعدون } غاية المد وقيل غاية قول الذين كفروا للذين آمنوا أي قالوا أي الفريقين حتى إذا رأوا ما يوعدون . { إما العذاب وإما الساعة } تفصيل للموعود فإنه إما العذاب في الدنيا وهو غلبة المسلمين عليهم وتعذيبهم إياهم قتلا وأسرا وإما يوم القيامة وما ينالهم فيه من الخزي والنكال . { فسيعلمون من هو شر مكانا } من الفريقين بأن عاينوا الأمر على عكس ما قدروه وعاد ما متعوا به خذلانا ووبالآ عليهم ، وهو جواب الشرط والجملة محكية بعد { حتى } . { وأضعف جندا } أي فئة وأنصارا قابل به أحسن نديا من حيث إن حسن النادي باجتماع وجوه القوم وأعيانهم وظهور شوكتهم واستظهارهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.