معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

قوله تعالى : { ثم بدا لهم } ، أي : للعزيز وأصحابه في الرأي ، وذلك أنهم أرادوا أن يقتصروا من أمر يوسف على الأمر بالإعراض . ثم بدا لهم أن يحبسوه . { من بعد ما رأوا الآيات } ، الدالة على براءة يوسف من قد القميص ، وكلام الطفل ، وقطع النساء أيديهن وذهاب عقولهن ، { ليسجننه حتى حين } ، إلى مدة يرون فيه رأيهم . وقال عطاء : إلى أن تنقطع مقالة الناس . وقال عكرمة : سبع سنين . وقال الكلبي : خمس سنين . قال السدي : وذلك أن المرأة قالت لزوجها : إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس ، يخبرهم أني راودته عن نفسه ، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر إلى الناس ، وإما أن تحبسه ، فحبسه ، وذكر أن الله تعالى جعل ذلك الحبس تطهيرا ليوسف عليه السلام من همه بالمرأة . قال ابن عباس : عثر يوسف ثلاث عثرات حين هم بها فسجن ، وحين قال { اذكرني عند ربك } فلبث في السجن بضع سنين ، وحين قال للإخوة { إنكم لسارقون } ، فقالوا : { إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

35

( ثم بدا لهم من بعدما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ) . .

وهكذا جو القصور ، وجو الحكم المطلق ، وجو الأوساط الأرستقراطية ، وجو الجاهلية ! فبعد أن رأوا الآيات الناطقة ببراءة يوسف . وبعد أن بلغ التبجح بامرأة العزيز أن تقيم للنسوة حفل استقبال تعرض عليهن فتاها الذي شغفها حبا ، ثم تعلن لهم أنها به مفتونة حقا . ويفتتن هن به ويغرينه بما يلجأ إلى ربه ليغيثه منه وينقذه ، والمرأة تعلن في مجتمع النساء - دون حياء - أنه إما أن يفعل ما يؤمر به ، وإما أن يلقى السجن والصغار ، فيختار السجن على ما يؤمر به !

بعد هذا كله ، بدا لهم أن يسجنوه إلى حين !

ولعل المرأة كانت قد يئست من محاولاتها بعد التهديد ؛ ولعل الأمر كذلك قد زاد انتشارا في طبقات الشعب الأخرى . . وهنا لابد أن تحفظ سمعة " البيوتات " ! وإذا عجز رجال البيوتات عن صيانة بيوتهن ونسائهن ، فإنهم ليسوا بعاجزين عن سجن فتى بريء كل جريمته أنه لم يستجب ، وأن امرأة من " الوسط الراقي ! " قد فتنت به ، وشهرت بحبه ، ولاكت الألسن حديثها في الأوساط الشعبية !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

يقول تعالى : ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى حين ، أي : إلى مدة ، وذلك بعدما عرفوا براءته ، وظهرت الآيات - وهي الأدلة - على صدقه في عفته ونزاهته . فكأنهم - والله أعلم - إنما سجنوه لما شاع الحديث إيهاما{[15162]} أن هذا راودها عن نفسها ، وأنهم سجنوه على ذلك . ولهذا لما طلبه الملك الكبير في آخر المدة ، امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نسب إليه من الخيانة ، فلما تقرر ذلك خرج وهو نَقِيّ العرض ، صلوات الله عليه وسلامه .

وذكر السُّدِّي : أنهم إنما سجنوه لئلا يشيع ما كان منها{[15163]} في حقه ، ويبرأ عرضه فيفضحها .


[15162]:- في ت : "اتهاما".
[15163]:- في أ : "منهما".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الاَيَاتِ لَيَسْجُنُنّهُ حَتّىَ حِينٍ } .

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ثم بدا للعزيز ، زوج المرأة التي راودت يوسف عن نفسه .

وقيل : { بدا لهم } ، وهو واحد ، لأنه لم يذكر باسمه ويقصد بعينه ، وذلك نظير قوله : { الّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فاخْشَوْهُمْ } ، وقيل : إنّ قائل ذلك كان واحدا . وقيل : معنى قوله : { ثُمّ بَدَا لَهُمْ } : في الرأي الذي كانوا رأوه من ترك يوسف مطلقا ، ورأوا أن يسجُنوه مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الآياتِ ببراءته مما قدفته به امرأة العزيز . وتلك الآيات كانت : قَدّ القميص من دُبر ، وخمشا في الوجه ، وقطع أيديهن ، كما :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن نصر بن عوف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ } ، قال : كان من الاَيات : قدّ في القميص ، وخمش في الوجه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي وابن نمير ، عن نصر ، عن عكرمة ، مثله .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، { ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ } ، قال : قدّ القميص من دُبر .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ } ، قال : قدّ القميص من دُبر .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : وثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ } ، قال : الآيات : حزّهن أيديهن ، وقدّ القميص .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : قدّ القميص من دبر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ لَيَسْجُنُنّهُ } ، ببراءته مما اتهم به من شقّ قميصه من دُبر ، { لَيَسْجُنُنّهُ حتى حِينٍ } .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : { مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الآياتِ } ، قال : الآيات : القميص ، وقطع الأيدي .

وقوله : { لَيَسْجُنُنّهُ حتى حِينٍ } ، يقول : ليسجننه إلى الوقت الذي يرون فيه رأيهم . وجعل الله ذلك الحبس ليوسف فيما ذكر عقوبة له من همه بالمرأة ، وكفّارة لخطيئته .

حُدثت عن يحيى بن أبي زائدة ، عن إسرائيل ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { لَيَسْجُنُنّهُ حتى حِينٍ } ، عثر يوسف عليه السلام ثلاث عثرات : حين همّ بها ، فسجن ، وحين قال : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبكّ فَلَبِثَ فِي السّجْن بضْعَ سنينَ } ، وأنساه الشيطان ذكر ربه ، وقال لهم : { إنّكُمْ لَسارِقُونَ } ، ف { قالُوا إن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ } .

وذُكر أن سبب حبسه في السجن : كان شكوى امرأة العزيز إلى زوجها أمره وأمرها . كما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ : { ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الآياتِ لَيَسْجُنُنّهُ حتى حِينٍ } ، قال : قالت المرأة لزوجها : إن هذا العبد العبرانيّ قد فضحني في الناس يعتذر إليهم ويخبرهم أني راودته عن نفسه ، ولست أطيق أن أعتذر بعذري ، فإما أن تأذن لي ، فأخرج ، فأعتذر ، وإما أن تحبِسه كما حبستني ، فذلك قول الله تعالى : { ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ لَيَسْجُنُنّهُ حتى حِينٍ } .

وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول هذه اللام في : { لَيَسْجُنُنّه } ؛ فقال بعض البصريين : دخلت هاهنا ، لأنه موضع يقع فيه «أيّ » ، فلما كان حرف الاستفهام يدخل فيه دخلته النون ، لأن النون تكون في الاستفهام ، تقول : بدا لهم أيّهم يَأْخُذُنّ ، أي : استبان لهم . وأنكر ذلك بعض أهل العربية ، فقال : هذا يمين ، وليس قوله : هل تقومنّ بيمين ، ولَتقومنّ ، لا يكون إلا يمينا .

وقال بعض نحويي الكوفة : بدا لهم ، بمعنى : القول ، والقول يأتي بكل الكلام ، بالقسم وبالاستفهام ، فلذلك جاز : بدا لهم قام زيد ، وبدا لهم ليقومنّ .

وقيل : إن الحين في هذا الموضع معنيّ به : سبع سنين .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن داود ، عن عكرمة : { لَيَسْجُنُنّهُ حتى حِينٍ } ، قال : سبع سنين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

لما أبى يوسف المعصية ، ويئست منه امرأة العزيز طالبته بأن قالت لزوجها : إن هذا الغلام العبراني قد فضحني في الناس وهو يعتذر إليهم ويصف الأمر بحسب اختياره ، وأنا محبوسة محجوبة ، فإما أذنت لي فخرجت إلى الناس فاعتذرت وكذبته ، وإما حبسته كما أنا محبوسة . فحينئذ بدا لهم سجنه . قال ابن عباس : فأمر به فحمل على حمار ، وضرب بالطبل ونودي عليه في أسواق مصر إن يوسف العبراني أراد سيدته فهذا جزاؤه أن يسجن ؛ قال أبو صالح : ما ذكر ابن عباس هذا الحديث إلا بكى .

و { بدا } معناه : ظهر ، والفاعل ب { بدا } محذوف تقديره بدو - أو - رأي{[6679]} . وجمع الضمير في { لهم } والساجن الملك وحده من حيث كان في الأمر تشاور . و { يسجننه } جملة دخلت عليها لام القسم . ولا يجوز أن يكون الفاعل ب { بدا } ل { يسجننه } لأن الفاعل لا يكون جملة بوجه ، هذا صريح مذهب سيبويه . وقيل الفاعل { ليسجننه } وهو خطأ ، وإنما هو مفسر للفاعل .

و { الآيات } ذكر فيها أهل التفسير أنها قد القميص ، قاله مجاهد وغيره ، وخمش الوجه الذي كان مع قد القميص ، قاله عكرمة ، وحز النساء أيديهن ، قاله السدي .

قال القاضي أبو محمد : ومقصد الكلام إنما هو أنهم رأوا سجنه بعد بدو الآيات المبرئة له من التهمة ، فهكذا يبين ظلمهم له وخمش الوجه وحز النساء أيديهن ليس فيهما تبرية ليوسف ، ولا تتصور تبرية إلا في خبر القميص ، فإن كان المتكلم طفلاً - على ما روي - فهي آية عظيمة ، وإن كان رجلاً فهي آية فيها استدلال ما ، والعادة أنه لا يعبر بآية إلا فيما ظهوره في غاية الوضوح ، وقد تقع { الآيات } أيضاً على المبينات كانت في أي حد اتفق من الوضوح .

ويحتمل أن يكون معنى قوله : { من بعد ما رأوا الآيات } أي من بعد ما ظهر لهم من وجوه الأمر وقرائنه أن يوسف برىء ، فلم يرد تعيين آية بل قرائن جميع القصة .

و «الحين » في كلام العرب وفي هذه الآية الوقت من الزمن غير محدود يقع للقليل والكثير ، وذلك بين موارده في القرآن ؛ وقال عكرمة «الحين » - هنا - يراد به سبعة أعوام ، وقيل : بل يراد بذلك سنة .

قال القاضي أبو محمد : وهذا بحسب ما كشف الغيب في سجن يوسف .

وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يقرأ «عتى حين » بالعين - وهي لغة هذيل - فقال له : من أقرأك ؟ قال : ابن مسعود ، فكتب عمر إلى ابن مسعود : إن الله أنزل القرآن عربياً بلغة قريش ، فبها أقرىء الناس ، ولا تقرئهم بلغة هذيل ، وروي عن ابن عباس أنه قال : عثر يوسف عليه السلام ثلاث عثرات :

{ همّ } [ يوسف : 24 ] فسجن ، وقال : { اذكرني عند ربك } [ يوسف : 42 ] { فأنساه الشيطان ذكر ربه } [ يوسف : 42 ] فطول سجنه ، وقال : { إنكم لسارقون } [ يوسف : 70 ] فروجع : { إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } [ يوسف : 77 ] .


[6679]:قال في "البحر": التقدير: بدا لهم هو، أي: رأي أو بداء، كما قال: بدا لك من تلك القلوص بداء وقال القرطبي: وهو مصدر الفعل، وقد حذف لأن الفعل يدل عليه، كما قال الشاعر: و حق لمن أبو موسى أبوه يوفقه الذي نصب الجبالا أي: وحق الحق. فحذف.