السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

{ ثم بدا } ، أي : ظهر { لهم } ، أي : العزيز وأصحابه { من بعد ما رأوا الآيات } ، أي : الدالة على براءة يوسف عليه السلام كشهادة الصبيّ وقدّ القميص وقطع النساء أيديهنّ واستعصامه عنهنّ { ليسجننه حتى } ، أي : إلى { حين } ينقطع فيه كلام الناس ، وذلك أنّ المرأة قالت لزوجها : إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس يقول لهم : إني راودته عن نفسه وأنا لا أقدر على إظهار عذري فإمّا أن تأذن لي فأخرج وأعتذر وإمّا أن تحبسه كما حبستني ، فعند ذلك وقع في قلب العزيز أنّ الأصلح حبسه حتى يسقط عن ألسنة الناس ذكر هذا الحديث وحتى تقل الفضيحة فسجنه .

تنبيه : في فاعل بدا أربعة أوجه : أحسنها أنه ضمير يعود على السجن بفتح السين ، أي : ظهر لهم حبسه . والثاني : أنّ الفاعل ضمير المصدر المفهوم من الفعل وهو بدا ، أي : بدا لهم بداء . والثالث : أنه مضمر يدل عليه السياق ، أي : بدا لهم رأي . والرابع : أنه محذوف وليسجننه قائم مقامه ، أي : بدا لهم السجن ، فحذف وأقيمت الجملة مقامه ، وليست الجملة فاعلاً ؛ لأن الجمل لا تكون كذلك ، وقيل : الحبس هنا خمس سنين ، وقيل : سبع سنين .

وقال مقاتل بن سليمان : حبس يوسف اثنتي عشرة سنة ، وقال الرازي : والصحيح أنّ هذه المقادير غير معلومة ، وإنما القدر المعلوم أنه بقي مسجوناً مدّة طويلة لقوله تعالى : { وادّكر بعد أمة } [ يوسف ، 45 ] وعن عكرمة قال : قال رجل ذو رأي للعزيز : متى تركت هذا العبد يعتذر إلى الناس ، ويقص عليهم أمره فاتركه في بيتها لا يخرج إلى الناس فإن خرج للناس عذروه وفضحوا أهلك فأمر به فسجن .