فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

معنى { بَدَا لَهُمْ } ظهر لهم ، والضمير للعزيز وأصحابه الذين يدبرون الأمر معه ويشيرون عليه ، وأما فاعل { بَدَا لَهُمْ } فقال سيبويه : هو { ليسجننه } أي : ظهر لهم أن يسجنوه . قال المبرد : وهذا غلط لأن الفاعل لا يكون جملة ، ولكن الفاعل ما دلّ عليه { بدا } وهو المصدر كما قال الشاعر :

وحق لمن أبو موسى أبوه *** يوفقه الذي نصب الجبالا

أي وحقّ الحقّ ، فحذف الفاعل لدلالة الفعل عليه . وقيل : الفاعل المحذوف هو أي : وظهر لهم رأي لم يكونوا يعرفونه من قبل ، وهذا الفاعل حذف [ لدلالته ] { ليسجننه } عليه ، واللام في { ليسجننه } جواب قسم محذوف على تقدير القول ، أي : ظهر لهم من بعد ما رأوا الآيات قائلين : والله ليسجننه ، وقرىء ( لتسجننه ) بالمثناة الفوقية على الخطاب ، إما للعزيز ومن معه ، أو له وحده على طريق التعظيم ، والآيات : قيل : هي القميص وشهادة الشاهد وقطع الأيدي ؛ وقيل : هي البركات التي فتحها الله عليهم بعد وصول يوسف إليهم ولم يجد ذلك فيهم بل كانت امرأته هي الغالبة على رأيه الفاعلة لما يطابق هواها في يوسف ، وإنفاذ ما تقدّم منها من الوعيد له بقولها : { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ [ مَا ءامُرُهُ ] * لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مّن الصاغرين } قيل : وسبب ظهور هذا الرأي لهم في سجن يوسف أنهم أرادوا ستر القالة ، وكتم ما شاع في الناس من قصة امرأة العزيز معه ؛ وقيل : إن العزيز قصد بسجنه الحيلولة بينه وبين امرأته ، لما علم أنها قد صارت بمكان من حبه لا تبالي معه بحمل نفسها عليه على أيّ صفة كانت ؛ ومعنى قوله : { حتى حِينٍ } إلى مدّة غير معلومة كما قاله أكثر المفسرين ، وقيل : إلى انقطاع ما شاع في المدينة . وقال سعيد ابن جبير : إلى سبع سنين ، وقيل : إلى خمس ، وقيل : إلى ستة أشهر ، وقد تقدّم في البقرة الكلام على تفسير الحين . وحتى بمعنى إلى .

/خ40