إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

{ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ } أي ظهر للعزيز وأصحابه المتصدّين للحل والعقد ريثما اكتفَوا بأمر يوسف بالكتمان والإعراض عن ذلك { من بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات } الصارفةَ لهم عن ذلك البداءِ وهي الشواهدُ الدالة على براءته عليه السلام ، وفاعل بدا إما مصدرُه أو الرأي المفهوم من السياق أو المصدر المدلول عليه بقوله : { ليسْجنُنَّهُ } والمعنى بدا لهم بداءٌ أو رأيٌ أو سَجنُه المحتومُ قائلين : والله ليسجُنُنّه فالقسم المحذوف وجوابه معمول للقول المقدر حالاً من ضميرهم ، وما كان ذلك البداءُ إلا باستنزال المرأةِ لزوجها وقتلها منه في الذروة والغارب وكان مطواعةً لها تقوده حيث شاءت ، قال السدي إنها قالت للعزيز : إن هذا العبدَ العبراني فد فضحني في الناس يخبرهم بأني راودتُه عن نفسه فإما أن تأذن لي فأخرجَ فأعتذرَ إلى الناس وإما أن تحبِسه فحبسه ، ولقد أرادت بذلك تحقيقَ وعيدِها لتُلين به عريكتَه وتنقادَ لها قرونته{[444]} لمّا انصرمت حبالُ رجائها عن استتباعه بعرض الجمالِ والترغيبِ بنفسها وبأعوانها . وقرىء لتسجُنُنه على صيغة الخطاب بأن خاطب بعضُهم العزيزَ ومن يليه أو العزيزَ وحده على وجه التعظيم أو خاطب العزيزَ ومَن عنده مِن أصحاب الرأي المباشرين للسجن والحبس { حتى حِينٍ } إلى حين انقطاعِ قالةِ الناسِ وهذا بادي الرأي عند العزيز وذويه ، وأما عندها فحتى يذلِّلَه السجنُ ويسخره لها ويحسبَ الناسُ أنه المجرمُ وقرىء عتى حين ، بلغة هذيل .


[444]:القرونة : النفس.