نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

ولما كانت هذه الأمور موجبة لرفعته ، فكان حينئذٍ أبعد شيء عن{[41242]} السجن لو كان الناس متمكنين من جري{[41243]} أمورهم على حسب السديد من عقولهم ، أخبر تعالى أنهم خالفوا داعي السداد واستبدلوا{[41244]} الغيّ بالرشاد ، لحكمه بأن السجن سبب عظيم لصرف كيدهن عنه وإثبات{[41245]} العز والمكنة{[41246]} له ، ففعلوا - مع علمهم بأن ذلك ظلم وسفه - إجابة{[41247]} لغالب أمر الله وإظهاراً لعليّ قدره بمخالفة{[41248]} العوائد مرة بعد مرة ، وهدم سداد الأسباب كرة أثر كرة ؛ فقال : { ثم } لهذا المعنى ، وهو أنهم كان ينبغي أن يكونوا{[41249]} من{[41250]} سجنه{[41251]} في غاية البعد { بدا } أي ظهر{[41252]} بعد الخفاء كما هي عادتهم { لهم } والبداء في الرأي{[41253]} : التلون فيه لظهور ما لم يكن ظهر منه .

ولما كان ذلك{[41254]} الظهور{[41255]} في حين من الدهر تلونوا بعده إلى رأي آخر ، أدخل الجار دلالة على ذلك فقال : { من بعد ما رأوا }{[41256]} أي رؤيتهم{[41257]} { الأيات } القاطعة ببراءته القاضية بنزاهته من قد القميص وشهادة الشاهد وغير ذلك .

ولما كان فاعل{[41258]} بدا " بداء " {[41259]} رأى ، فسره بقوله مؤكداً ، لأنه لا يصدق أن الإنسان يفعل ما ظهر له المانع منه : { ليسجننه } فيمكث في السجن { حتى حين } أي إلى أن تنسى تلك الإشاعة ، ويظهر الناس أنها لو{[41260]} كانت تحبه ما سعت في سجنه ، وقيل : إن ذلك الحين سبع سنين{[41261]} ، قيل : كان سبب ذلك أنها قالت للعزيز{[41262]} : إن هذا قد فضحني في الناس وهو يعتذر إليهم ويصف الأمر كما يحب ، وأنا محبوسة ، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر كما يعتذر ، وإما أن تسويه بي{[41263]} في السجن ؛ قال أبو حيان : قال ابن عباس رضي الله عنهما : فأمر به فحمل على حمار{[41264]} وضرب{[41265]} أمامه بالطبل ، ونودي عليه في أسواق مصر أن يوسف العبراني أراد سيدته ، فهذا جزاءه أن يسجن ! قال{[41266]} أبو صالح : ما ذكر ابن عباس رضي الله عنهما هذا الحديث إلاّ بكى - انتهى . وهذا دليل على قوله{ إن كيدكن عظيم }[ يوسف : 28 ] .

قال الإمام فخر الدين الرازي في كتاب اللوامع : وعلى الجملة فكل{[41267]} أحوال يوسف عليه الصلاة والسلام لطف في عنف{[41268]} ، ونعمة في طي{[41269]} بلية{[41270]} ونقمة{[41271]} ، ويسر في عسر{[41272]} ، ورجاء في يأس ، وخلاص بعد لات مناص ، وسائق القدر ربما يسوق القدر إلى المقدور بعنف ، وربما يسوقه بلطف ، والقهر والعنف أحمد عاقبة وأقل تبعة - انتهى .


[41242]:زيدت الواو بعده في ظ.
[41243]:زيد بعده في ظ: من.
[41244]:في مد: استدلوا.
[41245]:من م ومد، وفي الأصل: العود والمكنة، وفي ظ: العز ولمكنه.
[41246]:من م ومد، وفي الأصل: العود والمكنة، وفي ظ: العز ولمكنه.
[41247]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أحبابه.
[41248]:في ظ: لمخالفة.
[41249]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: يكون.
[41250]:زيد من م ومد.
[41251]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: سجدته.
[41252]:زيد بعده في ظ: بدا.
[41253]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الري.
[41254]:زيد من م.
[41255]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: المظهور.
[41256]:سقط ما بين الرقمين من م.
[41257]:سقط ما بين الرقمين من م.
[41258]:زيد بعده في الأصل و ظ: ذلك، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[41259]:من م ومد، وفي الأصل: أي، وفي ظ: بذي- كذا.
[41260]:زيد من م ومد.
[41261]:قاله عكرمة- كما في لباب التأويل 3/230.
[41262]:وراجع لهذا أيضا لباب التأويل.
[41263]:زيد من م ومد.
[41264]:من ظ و م ومد والبحر 5/307، وفي الأصل: فضرب.
[41265]:من ظ و م ومد والبحر 5/307، وفي الأصل: فضرب.
[41266]:من م ومد والبحر، وفي الأصل و ظ: فقال.
[41267]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: فكان.
[41268]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: عنصر.
[41269]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: طمر.
[41270]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: نقمة- كذا.
[41271]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: نقمة- كذا.
[41272]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: عز- كذا.