الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

قوله تعالى : { ثُمَّ بَدَا } : في فاعله أربعة أوجه ، أحسنها : أنه ضمير يعود على السَّجن بفتح السين أي : ظهر لهم حَبْسُه ، ويدل على ذلك لفظة " السِّجن " في قراءة العامة ، وهو بطريق اللازم ، ولفظُ " السَّجن " في قراءة مَنْ فتح السين . والثاني : أن الفاعل ضمير المصدر المفهوم مِنْ الفعل وهو " بدا " أي : بَدا لهم بداءٌ ، وقد صَرَّح الشاعرُ به في قوله :

2793 . . . . . . . . . . . . . . . . *** بَدا لك في تلك القَلوص بداءُ

والثالث : أن الفاعلَ مضمرٌ يدلُّ عليه السياق ، أي : بدا لهم رأيٌ . والرابع : أنَّ نفسَ الجملة مِنْ " لَيَسْجُنُنَّه " هي الفاعل ، وهذا من أصول الكوفيين .

و " حتى " غايةٌ لما قبله . وقوله : " لَيَسْجُنُنَّه " على قول الجمهور جوابٌ لقسم محذوف ، وذلك القسمُ وجوابه معمول لقولٍ مضمر ، وذلك القولُ المضمر في محلِّ نصب على الحال ، أي : ظهر لهم كذا قائلين : واللَّه لَيَسْجُنُنَّه حتى حين .

وقرأ الحسن " لَتَسْجُنُنَّه " بتاء الخطاب ، وفيه تأويلان ، أحدهما : أن يكونَ خاطب بعضُهم بعضاً بذلك . والثاني : أن يكونَ خوطب به العزيز تعظيماً له .

وقرأ ابن مسعود " عَتَّى " بإبدال حاء " حتى " عيناً وأقرأ بها غيرَه فبلغ ذلك عمرَ بن الخطاب فكتب إليه : " إن هذا القرآن نزل بلغة قريش ، فَأَقْرِىء الناسَ بلغتهم " . قلت : وإبدال الحاء عيناً لغة هُذَليَّة .