قوله : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ } ، في [ فاعل " بدا " ] أربعةُ أوجه :
أحسنها : أنَّه ضميرٌ يعود على " السَّجْن " فتح السِّين ، أي : ظهر لهم حبسُه ؛ ويدلُّ على ذلك اللَّفظ ب : السِّجْن " في قراءةِ العامَّة ، وهو بطريقِ اللازمِ ، ولفظ " السَّجْن " في قراءةِ العامَّة ، وهو بطريقِ اللازمِ ، ولفظ " السَّجْن " في قراءة من فتح السين .
والثاني : أنَّ الفاعل ضمير المصدر المفهوم من الفعل ؛ وهو " بَدَا " ، أي : بدا لهُم بداءٌ ، وقد صرَّح الشاعرُ به قول قوله : [ الطويل ]
3105 . . . . . . . . . . . . . . . . . *** بَدَا لَكَ فِي تِلْكَ القَلُوصِ بَدَاءُ
والثالث : أنَّ الفاعل مضمرٌ يدلُّ عليه السِّياقُ ، أي : لهم رأيٌ .
والرابع : أنَّ نفس الجملة من " لَيَسْجننَّهُ " هي الفاعل ، وهذا من أصولِ الكوفيين ، وهذا يَقْتضِي إسنادَ الفعلِ إلى فعلٍ آخر ؛ واتفق النحاة على أنَّ ذلك لا يجوزٌ .
فإذا قلت : " خَرَجَ ضَرَبَ " ، لم يفذْ ألبتة ، فقدَّروا : ثمُّ بدا لهم سجنهُ ، إلاَّ أنه أقيمَ هذا الفعل مقام ذلك الاسم .
قال ابنُ الخطيب : الاسمُ قد يكون خبراً ؛ كقولك : زيدٌ قائمٌ ، ف " قائم " اسمٌ وخبرٌ ، فعلمنا أنَّ كون الشيءِ خبراً ، لا ينافي كونه مخبراً عنه ، وفي هذا الباب شكوكٌ :
أحدها : أنَّا إذا قلنا : " ضَرَبَ فَعَلَ " ، والمخبر عنه بأنَّه فعل هو ضرب ، فالفعل صار مُخْبراً عنه .
فإن قالوا : المخبر عنه هو هذه الصيغةُ ، وهذه الصيغة اسم ، فنقول : فعلى هذا التقدير ؛ يلزم أن يكون المخبر عنه بأنه فعل هو هذه الصيغة وهذه الصيغة اسم ، لا فعلٌ ، وذلك كذبٌ باطلٌ ، بل نقول : المخبر عنه بأنه فعلٌ : إن كان فعلاً ، فقد ثبت أنَّ الفعل يصحُّ الإخبار عنه ، وإن كان اسماً ، كان معناه : أنَّا أخبرنا عن الاسم بأنه فعلٌ ، وذلك باطلٌ .
و " حتَّى " : غاية لما قبله ، وقوله : " ليَسْجُنُنَّهُ " ؛ على قول الجمهور : جوابٌ لقسم محذوفٍ ، وذلك القسم وجوابه معمولٌ لقولٍ مضمرٍ ، وذلك القول المضمر في محلِّ نصبٍ على الحالِ ، أي : ظهر لهم كذا قائلين : والله ، لنَسْجُننَّهُ حتَّى حينٍ .
وقرأ الحسن : " لتَسْجُنُنَّهُ " ، بتاء الخطاب ، وفيه تأويلان :
أحدهما : أن يكون خاطب بعضهم بعضاً بذلك .
والثاني : أن يكون خُوطبَ به العزيزُ ؛ تعظيماً له .
وقرأ ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه : " عَتَّى " بإبدال حاءِ " حتَّى " عيناً ، وأقرأ بها غيره ، فبلغ ذلك عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه فكتب إليه : " إنَّ هَذَا القُرآنَ نَزلَ بلُغةِ قُريشٍ فأقْرىءِ النَّاس بُغتِهِمْ " وإبدالُ الحاءِ عيناً لغةٌ هُذيلٍ .
المعنى : ثُمَّ بَدَا للعزيزِ ، وأصحابه في الرأي ؛ وذلك أنَّهم أرادوا أن يقتصروا من أمر " يُوسفَ " على الإعراض عنه ، ثم بدا لهم أن يحبسُوه من بعد ما رأوا الآياتِ الدَّالة على براءةِ " يُوسفَ " من : قدِّ القميصِ ، وكلام الشَّاهِد ، وقطع النساءِ أيديهنَّ ، وذهابِ عقولهنَّ " ليَسْجُنُنَّهُ حتَّى حِينٍ " : إلى مُدَّةٍ يرون فيهَا رأيهم .
وقال عطاء عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهم : إلى أن تنقطع قالة النَّاس ، قال عكرمةٌ : تِسْع سِنينَ ، وقال الكلبيُّ : خمس سنين .
قال السديُّك وذلك أنَّ المرأة قالت لزوجها : إنَّ هذا العبرانيَّ قد فَضحَنِي في الناس ؛ يُخْبرهم بأنِّي رَاودْتُه عن نفسه ، فإمَّا أن تأذن لي أن أخرج ، فأعتذرَ إلى الناسِ ، وإما أن تحبسه ، فحبسه .
قال ابنُ عبَّاس عَثرَ يُوسفُ ثلاثَ عثراتٍ : حِينَ هَمَّ بها ؛ فسُجِنَ ، وحين قال : { اذكرني عِندَ رَبِّكَ } [ يوسف : 42 ] ؛ { فَلَبِثَ فِي السجن بِضْعَ سِنِينَ } [ يوسف : 42 ] ، وحين قال لإخوته : { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [ يوسف : 70 ] ؛ { قالوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } [ يوسف : 77 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.