فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

{ ثم بدا لهم } أي ظهر للعزيز وأصحابه الذين يدبرون الأمر معه ويشيرون عليه في الرأي وأما فاعل بدا فقال سيبويه : هو ليسجننه أي ظهر لهم أن يسجنوه قال المبرد : وهذا غلط لأن الفاعل لا يكون جملة ولكن الفاعل دل عليه بدا وهو المصدر فحذف الفاعل لدلالة الفعل عليه وقيل الفاعل المحذوف هو رأي أي وظهر لهم رأي لم يكونوا يعرفونه من قبل وهذا الفاعل حذف لدلالة ليسجننه عليه .

{ من بعد ما رأوا الآيات } قيل هي القميص وشهادة الشاهد وقطع الأيدي وقيل البركات التي فتحها عليهم بعد وصول يوسف إليهم ولم يجد ذلك فيهم بل كانت امرأته هي الغالبة على رأيه الفاعلة لما يطابق هواها في يوسف وإنفاذ ما تقدم منها من الوعيد له بقولها ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين قال ابن عباس : الآيات قد القميص وأثرها في جسده وأثر السكين وقالت امرأة العزيز إن أنت لم تسجنه ليصدقنه الناس .

وعن ابن زيد قال : من الآيات كلام الصبي وقال قتادة : والآيات حزهن أيديهن القميص ، وأقول : إن كان المراد بالآيات الدالة على براءته فلا يصح عد قطع النسوة منها لأنه وقع منهن ذلك لما حصل لهن من الدهشة عند ظهوره لهن ما ألبسه الله سبحانه من الجمال الذي ينقطع عند مشاهدته عرى الصبر ويضعف عند رؤيته قوى التجلد وإن كان المراد الآيات الدالة على أنه قد أعطى من الحسن ما يسلب عقول المبصرين ويذهب بإدراك الناظرين فنعم يصح عد قطع الأيدي من جملة الآيات ولكن ليس هذه الآيات هي المرادة هنا .

{ ليسجننه } اللام جواب قسم محذوف على تقدير القول أي قائلين والله ليسجننه وقرئ بالفوقية على الخطاب إما للعزيز ومن معه أو له وحده على طريق التعظيم وفي الخطط للمقريزي قال القضاعي سجن يوسف ببو صير من عمل الجيزة أجمع أهل المعرفة من أهل مصر على صحة هذا المكان وفيه أثر نبيين أحدهما يوسف سجن به المدة التي ذكر أن مبلغها سبع سنين والآخر موسى وقد بنى على أثره بمسجد يعرف بمسجد موسى انتهى .

ثم أطال بيان حال ذلك السجن وموضعه وما يصنع هناك قيل وسبب ظهور هذا الرأي لهم في سجن يوسف أنهم أرادوا ستر القالة وكتم ما شاع في الناس من قصة امرأة العزيز معه وقيل إن العزيز قصد بسجنه الحيلولة بينه وبين امرأته لما علم أنها قد صارت بمكان من حبه لا تبالي معه تحمل نفسها عليه على أي صفة كانت { حتى حين } أي إلى مدة غير معلومة كما قاله أكثر المفسرين وقيل إلى انقطاع ما شاع في المدينة .

وقال سعيد ابن جبير : إلى سبع سنين وقبل إلى خمس وقيل إلى ستة أشهر وقد تقدم في البقرة الكلام في تفسير الحين وحتى بمعنى إلى ، قال السدي : جعل الله ذلك الحبس تطهيرا ليوسف من همه بالمرأة وعن ابن عباس قال : عوقب يوسف ثلاث مرات : أما أول مرة فبالحبس لما كان من همه بها والثانية لقوله { أذكرني عند ربك فلبث في السجن بضع سنين } عوقب بطول الحبس ، والثالثة حيث قال { أيتها العير إنكم لسارقون } فاستقبل في وجهه { إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } .