معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا} (18)

ثم وصف هول ذلك اليوم فقال { السماء منفطر به } منشق لنزول الملائكة به أي : بذلك المكان . وقيل : " الهاء " ترجع إلى الرب أي : بأمره وهيبته ، { كان وعده مفعولاً } كائناً .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا} (18)

فذلك أخذ الآخرة وهذا أخذ الدنيا ؛ فكيف تنجون بأنفسكم وتقوها هذا الهول الرعيب ?

( فكيف تتقون - إن كفرتم - يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به ? ) . .

وإن صورة الهول هنا لتنشق لها السماء ، ومن قبل رجفت لها الأرض والجبال . وإنها لتشيب الولدان . وإنه لهول ترتسم صوره في الطبيعة الصامتة ، وفي الإنسانية الحية . . في مشاهد ينقلها السياق القرآني إلى حس المخاطبين كأنها واقعة . . ثم يؤكدها تأكيدا . ( كان وعده مفعولا ) . . واقعا لا خلف فيه . وهو ما شاء فعل وما أراد كان !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا} (18)

وقوله : { السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ } قال الحسن ، وقتادة : أي بسببه من شدته وهوله . ومنهم من يعيد الضمير على الله عز وجل . وروي عن ابن عباس ومجاهد ، وليس بقوي ؛ لأنه لم يجر له ذكر هاهنا .

وقوله تعالى : { كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا } أي : كان وعد هذا اليوم مفعولا أي واقعًا لا محالة ، وكائنا لا محيد عنه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا} (18)

وقوله : السّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ يقول تعالى ذكره : السماء مثقلة بذلك اليوم متصدّعة متشققة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : السّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ يعني : تشقّق السماء حين ينزل الرحمن جلّ وعزّ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : مُنْفَطِرٌ بِهِ قال : مثقلة به .

حدثنا أبو حفص الحيري ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا أبو مودود ، عن الحسن ، في قوله : السّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ قال : مثقلة محزونة يوم القيامة .

حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا أبو مودود بحر بن موسى ، قال : سمعت ابن أبي عليّ يقول في هذه الاَية ، ثم ذكر نحوه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة السّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ قال : مثقلة به .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أبو رجاء ، عن الحسن ، في قوله السّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ قال : موقرة مثقلة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة السّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ يقول : مثقل به ذلك اليوم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : السّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ قال : هذا يوم القيامة ، فجعل الولدان شيبا ، ويوم تنفطر السماء ، وقرأ : إذَا السّماءُ انْفَطَرَتْ وقال : هذا كله يوم القيامة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عبد الله بن يحيى ، عن عكرمة ، عن ابن عباس السّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ قال : ممتلئة به ، بلسان الحبشة .

حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عكرِمة ، ولم يسمعه عن ابن عباس السّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ قال : ممتلئة به .

وذُكرت السماء في هذا الموضع لأن العرب تذكرها وتؤنثها ، فمن ذكرها وجهها إلى السقف ، كما يقال : هذا سماء البيت : لسقفه . وقد يجوز أن يكون تذكيرهم إياها لأنها من الأسماء التي لا فصل فيها بين مؤنثها ومذكرها ومن التذكير قول الشاعر :

فَلَوْ رَفَعَ السّماءُ إلَيْهِ قَوْما *** لَحقْنا بالسّماءِ مَعَ السّحابِ

وقوله : كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً يقول تعالى ذكره : كان ما وعد الله من أمر أن يفعله مفعولاً ، لأنه لا يخلف وعده ، وما وعد أن يفعله تكوينه يوم تكون الولدان شيبا يقول : فاحذروا ذلك اليوم أيها الناس ، فإنه كائن لا محالة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا} (18)

السماء منفطر منشق والتذكير على تأويل السقف أو إضمار شيء به بشدة ذلك اليوم على عظمها وأحكامها فضلا عن غيرها والباء للآلة كان وعده مفعولا الضمير لله عز وجل أو لليوم على إضافة المصدر إلى المفعول .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا} (18)

وقوله تعالى : { السماء منفطر به } قيل هذا على النسب أي ذات انفطار كامرأة حائض وطالق ، وقيل السماء تذكر وتؤنث ، وينشد في التذكير : [ الوافر ]

فلو رفع السماء إليه قوماً . . . لحقنا بالسماء مع السحاب{[11400]}

وقيل من حيث لم يكن تأنيثها حقيقياً ، جاز أن تسقط علامة التأنيث لها ، وقيل لم يرد اللفظ قصد السماء بعينها وإنما أراد ما علا من مخلوقات الله كأنه قصد السقف فذكر على هذا المعنى ، قاله منذر بن سعيد وأبو عبيدة معمر والكسائي : و { الانفطار } التصدع والانشقاق على غير نظام ، بقصد ، والضمير في { به } قال المنذر وغيره : هو عائد على اليوم ، وقال مجاهد : هو عائد على الله تعالى ، وهذا نظير قوله { يوم تشقق السماء بالغمام }{[11401]} [ الفرقان : 25 ] الذي هو ظل يأتي الله فيها . والمعنى يأتي أمره وقدرته ، وكذلك هنا { منفطر به } أي بأمره وسلطانه ، والضمير في قوله { وعده } ظاهر أنه لله تعالى . ويحتمل أن يكون لليوم لأنه يضاف إليه من حيث هو منه .


[11400]:هذا البيت من شواهد الفراء في "معاني القرآن" وكذلك استشهد به صاحب اللسان، والطبري، والقرطبي في تفسيره، وأبو حيان في "البحر المحيط"، ولم ينسبه أحد، ورواية القرطبي والبحر: "لحقنا بالسماء وبالسحاب". قال القراء: السماء تذكر وتؤنث، وهي هنا في وجه التذكير، وقال صاحب اللسان: "وسماء كل شيء: أعلاه، مذكر، والسماء: سقف كل شيء وكل بيت". وقال الزجاج: "السماء كل ما علاك فأظلك، ومنه قيل لسقف البيت سماء"، وقال تعالى (وجعلنا السماء سقفا محفوظا).
[11401]:من الآية 25 من سورة الفرقان.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا} (18)

وذكر انفطار السماء في ذلك اليوم زيادة في تهويل أحواله لأن ذلك يزيد المهددين رعباً وإن لم يكن انفطار السماء من آثار أعمالهم ولا لَه أثر في زيادة نكالهم .

ويجوز أن تجعل جملة { السماء منفطر به } مستأنفة معترضة بين جملة { فكيف تتقون } الخ ، وجملة { كان وعده مفعولاً } والباء للسببية ويكون الضمير المجرور بالباء عائداً إلى الكفر المأخوذ من فعل { كفرتم } .

ويجوز أن يكون الإِخبار بانفطار السماء على طريقة التشبيه البليغ ، أي كالمنفطر به فيكون المعنى كقوله تعالى : { وقالوا اتخذ الرحمان ولداً لقد جئتم شيئاً إدَّاً يكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً } [ مريم : 88 90 ] .

ووصف السماء بمنفطر بصيغة التذكير مع أن السماء في اللغة من الأسماء المعتبرة مؤنثة في الشائع . قال الفراء : السماء تذكَّر على التأويل بالسقف لأن أصل تسميتها سماءً على التشبيه بالسقف ، أي والسقف مُذكر والسماء مؤنث . وتبعه الجوهري وابن برّي . وأنشد الجوهري على ذلك قول الشاعر :

فلو رَفع السماءُ إليه قوماً *** لحقنا بالسماء مع السحاب

وأنشد ابن برّي أيضاً في تذكير السماء بمعنى السقف قول الآخر :

وقالت سماءُ البيت فوقَك مُخْلَقٌ *** ولمَّا تَيَسَّر اجْتِلاَءُ الركَائب

ولا ندري مقدار صحة هاذين الشاهدين من العربية على أنه قد يكونان من ضرورة الشعر . وقيل : إذا كان الاسم غير حقيقي التأنيث جاز إجراء وصفه على التذكير فلا تلحقه هاء التأنيث قياساً على الفعل المسند للمؤنث غير حقيقي التأنيث في جواز اقترانه بتاء التأنيث وتجريده منها ، إجراء للوصف مجرى الفعل وهو وجيه .

ولعل العدول في الآية عن الاستعمال الشائع في الكلام الفصيح في إجراء السماء على التأنيث ، إلى التذكير إيثاراً لتخفيف الوصف لأنه لما جيء به بصيغة منفعل بحرفي زيادة وهما الميم والنون كانت الكلمة معرضة للثقل إذا ألحق بها حرف زائد آخر ثالث ، وهو هاء التأنيث فيحصل فيها ثقل يجنَّبه الكلام البالغ غاية الفصاحة ألا ترى أنها لم تجر على التذكير في قوله : { إذا السماء انفطرت } [ الانفطار : 1 ] إذ ليس في الفعل إلاّ حرف مزيد واحد وهو النون إذ لا اعتداد بهمزة الوصل لأنها ساقطة في حالة الوصل ، فجاءت بعدها تاء التأنيث .

وجملة { كان وعده مفعولاً } صفة أخرى ل { يوماً } ، وهذا الوصف إدماج للتصريح بتحقيق وقوع ذلك اليوم بعد الإِنذار به الذي هو مقتض لوقوعه بطريق الكناية استقصاء في إبلاغ ذلك إلى علمهم وفي قطع معذرتهم .

وضمير { وعده } عائد إلى { يوماً } الموصوف ، وإضافة ( وعد ) إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله على التوسع ، أي الوعد به ، أي بوقوعه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا} (18)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"السّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ": السماء مثقلة بذلك اليوم متصدّعة متشققة...

"السّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ": ممتلئة به.

" كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً": كان ما وعد الله من أمر أن يفعله مفعولاً، لأنه لا يخلف وعده،... فاحذروا ذلك اليوم أيها الناس، فإنه كائن لا محالة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{السماء منفطر به} أي بما يجعل الولدان شيبا، وهو هول ذلك اليوم وشدة فزعه، أو منفطر بالغمام، وقيل: منفطر بالله أي بقضائه وحكمه.

{كان وعده مفعولا} أي الذي وقع به الوعد مفعول، لا أن يكون الوعد هو المفعول.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} وصف لليوم بالشدّة أيضاً، وأنّ السماء على عظمها وإحكامها تنفطر فيه، فما ظنك بغيرها من الخلائق. يعني: أنها تنفطر بشدة ذلك اليوم وَهَوْله كما ينفطر الشيء بما يفطر به.

ويجوز أن يراد السماء مثقلة به إثقالاً يؤدّي إلى انفطارها لعظمه عليها وخشيتها من وقوعه، كقوله: {ثَقُلَتْ فِي السموات والأرض} [الأعراف: 187].

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وجملة {السماء منفطر به} صفة ثانية.

والبَاء بمعنى (في) وهو ارتقاء في وصف اليوم بحدوث الأهوال فيه فإن انفطار السماء أشد هولاً ورعباً مما كني عنه بجملة {يجعل الولدان شيباً}. أي السماء عَلى عظمها وسمكها تنفطر لذلك اليوم فما ظنكم بأنفسكم وأمثالكم من الخلائق فيه.

والانفطار: التشقق الذي يحدث في السماء لنزول الملائكة وصعودهم كما تقدم في قوله تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه} في سورة المعارج (4).وذكر انفطار السماء في ذلك اليوم زيادة في تهويل أحواله لأن ذلك يزيد المهددين رعباً وإن لم يكن انفطار السماء من آثار أعمالهم ولا لَه أثر في زيادة نكالهم، ويجوز أن يكون الإِخبار بانفطار السماء على طريقة التشبيه البليغ.