اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا} (18)

قوله : { السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } . صفة أخرى ، أي : متشققة بسبب هوله وشدته ، فتكون الباء سببية ، وجوز الزمخشريُّ أن تكون للاستعانة ، فإنه قال : والباء في «به » مثلها في قولك : «فطرت العود بالقدُومِ فانفَطرَ بِهِ » .

وقال القرطبيُّ{[58395]} : ومعنى «به » ، أي : فيه ، أي : في ذلك اليوم لهوله ، هذا أحسن ما قيل فيه ، ويقال : مثقلة به إثقالاً يؤدي إلى انفطارها لعظمته عليها ، وخشيته من وقوعها ، كقوله تعالى :{ ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض } [ الأعراف : 187 ] ، وقيل : «به » ؛ أي : له ، أي : لذلك اليوم ، يقال : فعلت كذا بحرمتك ، أو لحرمتك ، والباء واللام وفي متقاربة في مثل هذا الموضع ، قال الله تعالى : { وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة }[ الأنبياء : 47 ] ، أي : في يوم القيامة ، وقيل : «به » أي بالأمر ، أي : السماء منفطر بما يجعل الولدان شيباً .

وقيل : السَّماءُ منفطر بالله ، أي : بأمره . وإنما لم تؤنث الصفة لوجوه منها :

قال أبو عمرو بن العلاء : لأنها بمعنى السقفِ تقول : هذا سماء البيت ، قال تعالى : { وَجَعَلْنَا السماء سَقْفاً مَّحْفُوظاً }[ الأنبياء : 32 ] .

ومنها : أنها على النسب ، أي : ذات انفطار ، نحو : امرأة مرضع وحائض ، أي : ذات إرضاع ، وذات حيض .

ومنها أنها تذكر ، وتؤنث ؛ أنشد الفراء : [ الوافر ]

4941 - فَلوْ رَفَعَ السَماءُ إليْه قَوماً*** لخُضْنَا بالسَّماءِ وبالسَّحَابِ{[58396]}

ومنها : اسم الجنس ، يفرق بينه وبين واحده بالتاء ، فيقال : سماة ، وقد تقدم أن اسم الجنس يذكر ويؤنث .

ولهذا قال أبو علي الفارسي : هو كقوله :{ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } [ القمر : 7 ] و { الشجر الأخضر } [ يس : 80 ] و { أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [ القمر : 20 ] يعني : فجاء على أحد الجائزين .

وقيل : لأن تأنيثها ليس بحقيقي ، وما كان كذلك جاز تذكيره وتأنيثه ؛ قال الشاعر : [ البسيط ]

4942 - . . . *** والعَيْنُ بالإثْمِدِ الحَارِيِّ مَكحُولُ{[58397]}

قوله : { كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } ، يجوز أن يكون الضميرُ لله تعالى ، وإن لم يجر له ذكر للعلم به ، فيكون المصدر مضافاً لفاعله ، ويجوز أن يكون لليوم ، فيكون مضافاً لمفعوله والفاعل وهو «اللَّهُ » مقدر .

فصل في المراد بالوعد

قال المفسرون : كان وعده بالقيامة والحساب والجزاء مفعولاً كائناً لا محالة ولا شك فيه ولا خلاف ، وقال مقاتل : كان وعده بأن يظهره دينه على الدين كله{[58398]} .


[58395]:الجامع لأحكام القرآن 19/43.
[58396]:تقدم.
[58397]:عجز بيت للطفيل الغنوي وصدره: إذ هي أحوى من الربعي حاجبه *** ... ينظر ديوانه ص 55، والإنصاف 77512، وشرح أبيات سيبويه 1/187، وشرح شواهد الإيضاح ص 342، والكتاب 4612، واللسان (صرخد)، وسر صناعة الإعراب 2/966، وشرح المفصل 1/18.
[58398]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (6/131) وينظر المصدر السابق.