ولكن القوم يطلعون عليه باعتراض عجيب . وهو اعتراض مكرور في البشرية مع كل رسول :
( قالوا : أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ? ) . .
وهم يعنون بالأرذلين الفقراء . وهم السابقون إلى الرسل والرسالات ، وإلى الإيمان والاستسلام . لا يصدهم عن الهدى كبرياء فارغة ، ولا خوف على مصلحة أو وضع أو مكانة . ومن ثم فهم الملبون السابقون . فأما الملأ من الكبراء فتقعد بهم كبرياؤهم ، وتقعد بهم مصالحهم ، القائمة على الأوضاع المزيفة ، المستمدة من الأوهام والأساطير ، التي تلبس ثوب الدين . ثم هم في النهاية يأنفون أن يسويهم التوحيد الخالص بالجماهير من الناس ، حيث تسقط القيم الزائفة كلها ، وترتفع قيمة واحدة . قيمة الإيمان والعمل الصالح . قيمة واحدة ترفع قوما وتخفض آخرين . بميزان واحد هو ميزان العقيدة والسلوك القويم .
يقولون : أنؤمن لك ونتبعك ، ونتساوى في ذلك بهؤلاء الأراذل{[21798]} الذين اتبعوك وصدقوك ، وهم أراذلنا{[21799]} ؛ ولهذا قالوا : { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ . قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ؟ أي : وأي شيء يلزمني من اتباع هؤلاء لي ، ولو كانوا على أي شيء كانوا عليه لا يلزمني التنقيب عنه والبحث والفحص ، إنما عليَّ أن أقبل منهم تصديقهم{[21800]} إياي ، وأكل سرائرهم إلى الله ، عز وجل .
{ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ } ، كأنهم سألوا منه أن يبعدهم عنه ليتابعوه{[21801]} ، فأبى عليهم ذلك ، وقال : { وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ * إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ } أي : إنما بعثت نذيرًا ، فمن أطاعني واتبعني وصدقني كان مني وكنت منه ، سواء كان شريفًا أو وضيعًا ، أو جليلا أو حقيرًا .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوَاْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتّبَعَكَ الأرْذَلُونَ * قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاّ عَلَىَ رَبّي لَوْ تَشْعُرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : قال قوم نوح له مجيبيه عن قيله لهم : إني لكم رسول أمين ، فاتقوا الله وأطيعون قالوا : أنؤمن لك يا نوح ، ونقرّ بتصديقك فيما تدعونا إليه ، وإنما اتبعك منا الأرذلون دون ذوي الشرف وأهل البيوتات قال وَمَا عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ قال نوح لقومه : وما علمي بما كان أتباعي يعملون ، إنما لي منهم ظاهر أمرهم دون باطنه ، ولم أكلّف علم باطنهم ، وإنما كلفت الظاهر ، فمن أظهر حسنا ظننت به حسنا ، ومن أظهر سيئا ظننت به سيئا ، إنْ حِسابُهُمْ إلاّ عَلى ربّي لَوْ تَشْعُرُونَ يقول : إن حساب باطن أمرهم الذي خفي عني إلا على ربي لو تشعرون ، فإنه يعلم سرّ أمرهم وعلانيته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله إنْ حِسابُهُمْ إلاّ عَلى رَبّي لَوْ تَشْعُرُونَ قال : هو أعلم بما في نفوسهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.