البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلۡأَرۡذَلُونَ} (111)

ثم لم ينظروا في أمر رسالته ، ولا تفكروا فيما أمرهم به ، لما جبلوا عليه ونشؤوا من حب الرئاسة ، وهي التي تطبع على قلوبهم .

فشرع أشرافهم في تنقيص متبعيه ، وأن الحامل على انتفاء إيمانهم له ، كونه اتبعه الأرذلون .

وقوله : { واتبعك الأرذلون } ، جملة حالية ، أي كيف نؤمن وقد اتبعك أراذلنا ، فنتساوى معهم في اتباعك ؟ وكذا فعلت قريش في شأن عمار وصهيب .

والضعفاء أكثر استجابة من الرؤساء ، لأن أذهانهم ليست مملوءة بزخارف الدنيا ، فهم أدرك للحق وأقبل له من الرؤساء .

وقرأ الجمهور : واتبعك فعلاً ماضياً .

وقرأ عبد الله ، وابن عباس ، والأعمش ، وأبو حيوة ، والضحاك ، وابن السميفع ، وسعيد بن أبي سعد الأنصاري ، وطلحة ، ويعقوب : واتباعك جمع تابع ، كصاحب وأصحاب .

وقيل : جمع تبيع ، كشريف وأشراف .

وقيل : جمع تبع ، كبرم وإبرام ، والواو في هذه القراءة للحال .

وقيل : للعطف على الضمير الذي في قوله : { أنؤمن لك } ، وحسن ذلك للفصل بلك ، قاله أبو الفضل الرازي وابن عطية وأبو البقاء .

وعن اليماني : واتباعك بالجر عطفاً على الضمير في لك ، وهو قليل ، وقاسه الكوفيون .

والأرذلون : رفع بإضمارهم .

قيل : والذين آمنوا به بنوه ونساؤه وكنانة وبنو بنيه ، فعلى هذا لا تكون الرذالة دناءة المكاسب ؛ وتقدم الكلام في الرذالة في هود في قوله : { إلا الذين هم أراذلنا } وأرادوا بذلك تنقيص نوح عليه السلام ، إذ لم يعلموا أن ضعفاء الناس هم أتباع الرسل ، كما ورد في حديث هرقل .

وهذا الذي أجابوا به في غاية السخافة ، إذ هو مبعوث إلى الخلق كافة ، فلا يختلف الحال بسبب الفقر والغنى ، ولا شرف المكاسب ودناءتها .