نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{۞قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلۡأَرۡذَلُونَ} (111)

ولما قام الدليل على نصحه وأمانته ، أجابوا بما ينظر إلى محض الدنيا كما أجاب من قال من أشراف العرب { ما لهذا الرسول } الآيات ، وقال : لو طردت هؤلاء الضعفاء لرجونا أن نتبعك حتى نزل في ذلك{ ولا تطرد الذين يدعون ربهم }[ الأنعام : 52 ] ونحوها من الآيات ، بأن { قالوا } أي قومه ، منكرين لاتباعه استناداً إلى داء الكبر الذي ينشأ منه بطر الحق وغمط الناس - أي احتقارهم : { أنؤمن لك } أي لأجل قولك هذا وما أثبته أوصافك { و } الحال أنه قد { اتبعك الأرذلون* } أي المؤخرون في الحال والمآل ، والأحوال والأفعال ، فيكون إيماننا بك سبباً لاستوائنا معهم ، فلو طردتهم لم يكن لنا عذر في التخلف عنك ، ولا مانع من اتباعك ، فكان ما متعوا به من العرض الفاني مانعاً لهم عن السعادة الباقية ، وأما الضعفاء فانكسار قلوبهم وخلوّها عن شاغل ، موجبٌ لإقبالها على الخير وقبولها له ، لأن الله تعالى عند المنكسرة قلوبهم ، وهكذا قالت قريش في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وما زالت أتباع الرسل كذلك حتى صارت من سماتهم وأماراتهم كما قال هرقل في سؤاله عن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان مثال المستكبرين مثال شخص كان آخر دونه بدرجة ، فأصبح فوقه بدرجة ، فأنف من أن يرتقي إلى درجته لئلا يساويه ، ورضي لنفسه أن يكون دونه ، فما أسخف عقله ! وما أكثر جهله ! فلا شيء أبين من هذا في أن التقدم في الأمور الدنيوية داء لا دواء له إلا إماتة النفس بالتبرؤ منه والبعد عنه .