اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلۡأَرۡذَلُونَ} (111)

قوله : { أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون } «وَاتَّبَعَك » جملة حالية من كاف «لك » .

قال الزمخشري : والواو للحال ، وحقها أن يضمر بعدها ( قد ){[37530]} وقرأ ابن مسعود وابن عباس وأبو حيوة : «وَأَتْبَاعُكَ » مرفوعاً{[37531]} جمع تابع «كَصَاحِبٍ وَأَصْحَاب » أو تَبيع ك «شَرِيْف وأَشْرَاف » ، أو «تبع » ك ( برم{[37532]} وأَبْرام ){[37533]} وفي رفعه وجهان :

أحدهما : أنه مبتدأ ، و «الأَرْذَلُونَ » خبره{[37534]} ، والجملة حالية أيضاً{[37535]} .

والثاني : أنه عطف على الضمير المرفوع في «نُؤْمِنُ » ، وحسَّنَ ذلك الفصل بالجار ، و «الأَرْذَلُونَ » صفته{[37536]} .

وقرأ اليمانيُّ : «وأَتْبَاعِكَ » بالجر{[37537]} عطفاً على الكاف في «ذَلِكَ » وهو ضعيف أو ممنوع عند البصريين{[37538]} ، وعلى هذا فيرتفع «الأَرْذَلُونَ » على خبر ابتداء مضمر ، أي : هم الأرذلون{[37539]} وقد تقدم مادّةُ «الأَرْذَلِ »{[37540]} في هود{[37541]} .

فصل :

الرذالة : الخِسَّة والذِّلة ، وإنما استرذلوهم لاتّضاع نسبهم وقلة نصيبهم في الدنيا .

وقيل : كانوا من{[37542]} أهل الصناعات الخسيسة كالحياكة{[37543]} والحِجَامَة{[37544]} .

وهذه الشبهة في غاية الركاكة ، لأن نوحاً - عليه السلام{[37545]} - بعث إلى الخلق كافة ، فلا يختلف الحال بسبب الفقر والغنى وشرف المكاسب وخستها ، فأجابهم نوح عنه بالجواب الحق ، وهو قوله : { وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .


[37530]:انظر الكشاف 3/120.
[37531]:قال الفراء: (وذكر أن بعض القراء قرأ: "وأتباعك الأرذلون" ولكني لم أجده عن القراء المعروفين، وهو وجه حسن) معاني القرآن 2/281. وانظر المحتسب 2/131، تفسير ابن عطية 11/132-133، البحر المحيط 7/31، الإتحاف (333).
[37532]:البرم: الذي لا يدخل مع القوم في الميسر، والجمع أبرام، وهو اللئيم. اللسان (برم).
[37533]:انظر البحر المحيط 7/31.
[37534]:انظر المحتسب 2/132، التبيان 2/998.
[37535]:انظر التبيان 2/998.
[37536]:انظر المحتسب 2/131، التبيان 2/998.
[37537]:البحر المحيط 7/31.
[37538]:ووجه ضعفه عند البصريين أو امتناعه أنه لا بد من إعادة حرف الجر مع المعطوف وحجتهم في ذلك أن الجار مع المجرور بمنزلة شيء واحد، فإذا عطفت على الضمير المجرور- والضمير إذا كان مجروراً اتصل بالجار، ولم ينفصل منه، ولهذا لا يكون إلا متصلاً، بخلاف ضمير المرفوع والمنصوب- فكأنك قد عطفت الاسم على الحرف الجار، وعطف الاسم على الحرف لا يجوز. وأجاز ذلك الكوفيون محتجين بقراءة حمزة في أول سورة النساء: {واتَّقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} بجر الأرحام" عطفاً على الهاء في "به". انظر الإنصاف المسألة (65) 2/463-474.
[37539]:انظر البحر المحيط 7/31.
[37540]:في ب: الأرذلون.
[37541]:عند قوله تعالى: {وما نراك اتَّبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرَّأي} [27].
[37542]:من: سقط من ب.
[37543]:حاك الثوب يحوكه حوكاً وحياكاً وحياكة: نسجه. اللسان (حوك).
[37544]:الحجامة: حرفة الحجام، والحجَّام: محترف الحجامة. المعجم الوسيط (حجم) وانظر الكشاف 3/120، الفخر الرازي 24/155.
[37545]:في ب: عليه الصلاة والسلام.