معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ مِّنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُمۡ إِذَا لَهُم مَّكۡرٞ فِيٓ ءَايَاتِنَاۚ قُلِ ٱللَّهُ أَسۡرَعُ مَكۡرًاۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكۡتُبُونَ مَا تَمۡكُرُونَ} (21)

قوله تعالى : { وإذا أذقنا الناس } ، يعني : الكفار ، { رحمة من بعد ضراء } ، أي : راحة ورخاء من بعد شدة وبلاء ، وقيل : القطر بعد القحط ، { مستهم } ، أي : أصابتهم ، { إذا لهم مكر في آياتنا } ، قال مجاهد : تكذيب واستهزاء . وقال مقاتل بن حيان : لا يقولون : هذا رزق الله ، إنما يقولون : سقينا بنوء كذا ، وهو قوله : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } [ الواقعة-82 ] . { قل الله أسرع مكرا } ، أعجل عقوبة وأشد أخذا وأقدر على الجزاء ، يريد عذابه في إهلاككم أسرع إليكم مما يأتي منكم في دفع الحق ، { إن رسلنا } ، حفظتنا ، { يكتبون ما تمكرون } ، وقرأ يعقوب : يمكرون بالياء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ مِّنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُمۡ إِذَا لَهُم مَّكۡرٞ فِيٓ ءَايَاتِنَاۚ قُلِ ٱللَّهُ أَسۡرَعُ مَكۡرًاۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكۡتُبُونَ مَا تَمۡكُرُونَ} (21)

1

وحين ينتهي السياق من عرض ما يقول المستخلفون وما يفعلون ، يعود إلى الحديث عن بعض طبائع البشر ، حين يذوقون الرحمة بعد الضر . كما تحدث من قبل عنهم حين يصيبهم الضر ثم ينجون منه . ويضرب لهم مثلا مما يقع في الحياة يصدق ذلك ، فيقدمه في صورة مشهد قوي من مشاهد القرآن التصويرية :

( وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم ، إذا لهم مكر في آياتنا . قل : الله أسرع مكراً ، إن رسلنا يكتبون ما تمكرون . هو الذي يسيركم في البر والبحر ، حتى إذا كنتم في الفلك ، وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف ، وجاءهم الموج من كل مكان ، وظنوا أنهم أحيط بهم ، دعوا الله مخلصين له الدين : لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين . فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق . يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ، ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ) . .

عجيب هذا المخلوق الإنساني لا يذكر الله إلا في ساعة العسرة ، ولا يثوب إلى فطرته وينزع عنها ما غشاها من شوائب وانحرافات إلا في ساعة الكربة . فإذا أمن فإما النسيان وإما الطغيان . . ذلك إلا من اهتدى فبقيت فطرته سليمة حية مستجيبة في كل آن ، مجلوة دائما بجلاء الإيمان

( وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم ، إذا لهم مكر في آياتنا ) . .

كذلك صنع قوم فرعون مع موسى . فكلما أخذوا بعذاب استغاثوا به ووعدوا بالعدول عما هم فيه . فإذا ذاقوا الرحمة مكروا في آيات الله وأولوها على غير وجهها ، وقالوا : إنما رفع عنا الرجز بسبب كذا وكذا . . وكذلك صنعت قريش وقد أجدبت وخافت الهلاك ، فجاءت محمدا تناشده الرحم أن يدعو الله فدعاه فاستجاب له بالسقيا ، ثم مكرت قريش بآية الله وظلت فيما هي فيه ! وهي ظاهرة مطردة في الإنسان ما لم يعصمه الإيمان .

( قل : الله أسرع مكرا . إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ) . .

فالله أقدر على التدبير وإبطال ما يمكرون . ومكرهم مكشوف لديه ومعروف ، والمكر المكشوف إبطاله مضمون :

( إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ) . .

فلا شيء منه يخفى ، ولا شيء منه ينسى . أما من هم هؤلاء الرسل وكيف يكتبون ، فذلك غيب من الغيب الذي لا نعرف عنه شيئا إلا من مثل هذا النص ، فعلينا أن ندركه دون ما تأويل ولا إضافة لدلالة اللفظ الصريح .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ مِّنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُمۡ إِذَا لَهُم مَّكۡرٞ فِيٓ ءَايَاتِنَاۚ قُلِ ٱللَّهُ أَسۡرَعُ مَكۡرًاۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكۡتُبُونَ مَا تَمۡكُرُونَ} (21)

يخبر{[14142]} تعالى أنه إذا أذاق الناس رحمة من بعد ضراء مستهم ، كالرخاء بعد الشدة ، والخصب{[14143]} بعد الجدب ، والمطر بعد القحط ونحو ذلك { إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا } .

قال مجاهد : استهزاء وتكذيب . كما قال : { وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ } [ يونس : 12 ] ، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح على{[14144]} أثر سماء - مطر{[14145]} - أصابهم{[14146]} من الليل ثم قال : " هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة ؟ " قالوا{[14147]} الله ورسوله أعلم . قال : " قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مُطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب " . {[14148]} وقوله : { قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا } أي : أشد استدراجا وإمهالا حتى يظن الظان من المجرمين أنه ليس بمعذب ، وإنما هو في مهلة ، ثم يؤخذ على غرة منه ، والكاتبون الكرام يكتبون عليه جميع ما يفعله ، ويحصونه عليه ، ثم يعرضون على عالم الغيب والشهادة ، فيجازيه على الحقير والجليل{[14149]} والنقير والقِطْمير .


[14142]:- في ت : "فخبر".
[14143]:- في ت : "والخصيب".
[14144]:- في ت ، أ : "في".
[14145]:- في ت ، أ : "أي مطر".
[14146]:- في ت : "أصابتهم".
[14147]:- في ت : "قلنا".
[14148]:- صحيح البخاري برقم (846) وصحيح مسلم برقم (71).
[14149]:- في ت : "القليل والحقير".