إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ مِّنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُمۡ إِذَا لَهُم مَّكۡرٞ فِيٓ ءَايَاتِنَاۚ قُلِ ٱللَّهُ أَسۡرَعُ مَكۡرًاۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكۡتُبُونَ مَا تَمۡكُرُونَ} (21)

{ وَإِذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً } صِحةً وسَعةً { من بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ } أي خالطتْهم حتى أحسوا بسوء أثرِها فيهم ، وإسنادُ المساسِ إلى الضراء بعد إسنادِ الإذاقةِ إلى ضمير الجلالِة من الآداب القرآنيةِ كما في قوله تعالى : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] ونظائرِه . وقيل : سلط الله تعالى على أهل مكةَ القحطَ سبع سنينَ حتى كادوا يهلِكون ثم رحمهم بالحَيا{[385]} فطفقوا يطعنون في آياته تعالى ويعادون رسولَه عليه الصلاة والسلام ويكيدونه وذلك قوله تعالى : { وَإِذَا لَهُم مكْرٌ في آيَاتِنَا } أي بالطعن فيها وعدمِ الاعتداد بها والاحتيالِ في دفعها ، وإذا الأولى شرطيةٌ والثانيةُ جوابُها كأنه قيل : فاجأوا وقوع المكرِ منهم وتنكيرُ مكرٌ للتفخيم ، وفي متعلقةٌ بالاستقرار الذي يتعلق به اللام { قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْرًا } أي أعجلُ عقوبةً أي عذابُه أسرعُ وصولاً إليكم مما يأتي منكم في دفع الحقِّ ، وتسميةُ العقوبةِ بالمكر لوقوعها في مقابلة مكرِهم وجوداً أو ذكراً { إِنَّ رُسُلَنَا } الذين يحفظون أعمالَكم والإضافةُ للتشريف { يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } أي مكرَكم أو ما تمكُرونه وهو تحقيقٌ للانتقام منهم وتنبيهٌ على أن ما دبروا في إخفائه غيرُ خافٍ على الحفَظة فضلاً عن العليم الخبير ، وصيغةِ الاستقبال في الفعلين للدِلالة على الاستمرار التجدّدي والجملةُ تعليلٌ من جهته تعالى لأسرعية مكرِه سبحانه غيرُ داخل في الكلام الملقن كقوله تعالى : { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } [ الكهف : 109 ] فإن كتابةَ الرسلِ لما يمكرون من مبادىء بطلانِ مكرِهم وتخلف أثرِه عنه بالكلية وفيه من المبالغة ما لا يوصف ، وتلوينُ الخطاب بصرفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم للتشديد في التوبيخ ، وقرىء على لفظ الغَيبة فيكون حينئذٍ تعليلاً لما ذُكر أو للأمر .


[385]:الحيا: الخصب، والمطر.