قوله : { وَإِذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً مّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مكْر فِي آياتنا } لما بين سبحانه في الآية المتقدمة أنهم طلبوا آية عناداً ومكراً ولجاجاً ، وأكد ذلك بما ذكره هنا من أنه سبحانه إذا أذاقهم رحمة منه من بعد أن مستهم الضرّاء ، فعلوا مقابل هذه النعمة العظيمة المكر منهم في آيات الله ؛ والمراد بإذاقتهم رحمته سبحانه : أنه وسع عليهم في الأرزاق ، وأدرّ عليهم النعم بالمطر وصلاح الثمار ، بعد أن مستهم الضرّاء بالجدب وضيق المعايش ، فما شكروا نعمته ولا قدروها حق قدرها ، بل أضافوها إلى أصنامهم التي لا تنفع ولا تضرّ ، وطعنوا في آيات الله ، واحتالوا في دفعها بكل حيلة ، وهو معنى المكر فيها . وإذا الأولى شرطية ، وجوابها إذا لهم مكر ، وهي فجائية ، ذكر معنى ذلك الخليل وسيبويه . ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يجيب عنهم فقال : { قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْرًا } أي : أعجل عقوبة ، وقد دلّ أفعل التفضيل على أن مكرهم كان سريعاً ، ولكن مكر الله أسرع منه . وإذا الفجائية يستفاد منها السرعة ، لأن المعنى أنهم فاجئوا المكر : أي أوقعوه على جهة الفجاءة والسرعة ، وتسمية عقوبة الله سبحانه مكراً من باب المشاكلة ، كما قرّر في مواطن من عبارات الكتاب العزيز { إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } قرأ يعقوب في رواية ، وأبو عمرو في رواية «يمكرون » بالتحتية ، وقرأ الباقون بالفوقية . والمعنى : أن رسل الله وهم الملائكة يكتبون مكر الكفار ، لا يخفى ذلك على الملائكة الذين هم الحفظة ، فكيف يخفى على العليم الخبير ؟ وفي هذا وعيد لهم شديد ، وهذه الجملة تعليلية للجملة التي قبلها ، فإن مكرهم إذا كان ظاهراً لا يخفى ، فعقوبة الله كائنة لا محالة ، ومعنى هذه الآية قريب من معنى الآية المتقدّمة وهي : { وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر } وفي هذه زيادة ، وهي أنهم لا يقتصرون على مجرد الإعراض ، بل يطلبون الغوائل لآيات الله بما يدبرونه من المكر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.