فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ مِّنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُمۡ إِذَا لَهُم مَّكۡرٞ فِيٓ ءَايَاتِنَاۚ قُلِ ٱللَّهُ أَسۡرَعُ مَكۡرًاۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكۡتُبُونَ مَا تَمۡكُرُونَ} (21)

{ وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا } لما بين سبحانه في الآية المتقدمة أنهم طلبوا آية عنادا ومكرا ولجاجا أكد ذلك بما ذكره هنا من أنه سبحانه إذا أذاقهم رحمة منه من بعد أن مستهم الضراء فعلوا مقابل هذه النعمة العظيمة المكر منهم في آيات الله .

والمراد بإذاقتهم رحمته سبحانه أنه وسع عليهم في الأرزاق وأدر عليهم النعم بالمطر والخصب وصلاح الثمار بعد أن مسهم الضر بالجدب ، وضيق المعايش ، فما شكروا نعمته ولا قدروها حق قدرها . بل أضافوها إلى أصنامهم التي لا تنفع ولا تضر وطعنوا في آيات الله واحتالوا في دفعها بكل حيلة وهو معنى المكر فيه وإذا الأولى شرطية وجوابها إذا لهم مكر ، وهي فجائية ذكر معنى ذلك الخليل وسيبويه ويستفاد منه السرعة لأن المعنى إنهم فاجؤوا المكر أي أوقعوه على جهة الفجاءة والسرعة وقال مجاهد : في الآية استهزاء وتكذيب . وهذا تفسير مراد وإلا فأصل المكر إخفاء الحيل والمكايد وقال مقاتل : لا يقولون هذا رزق الله إنما يقولون سقينا بنوء كذا وكذا .

ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يجيب عنهم فقال : { قل الله أسرع مكرا } أي أعجل عقوبة وأشد أخذا وأقدر على الجزاء من سرعة مكرهم وقد دل أفعل التفضيل على أن مكرهم كان سريعا ولكن مكر الله أسرع منه ، وتسمية عقوبة الله سبحانه مكرا من باب المشاكلة كما قرر في مواطن من عبارات الكتاب العزيز .

{ إن رسلنا } أي الملائكة { يكتبون ما تمكرون } قرئ بالتاء والياء ، والأولى سبعية والثانية عشرية أي لا يخفى ذلك على الملائكة الذين هم الحفظة فكيف يخفى على العليم الخبير ، وفي هذا وعيد لهم شديد وتحقيق للانتقام منهم .

وهذه الجملة تعليل للتي قبلها فإن مكرهم إذا كان ظاهرا لا يخفى فعقوبة الله كائنة لا محالة ومعنى هذه الآية قريب من معنى الآية المتقدمة وهي إذا مس الإنسان الضر ، وفي هذه الآية زيادة وهي أنهم لا يقتصرون على مجرد الإعراض بل يطلبون الغوائل لآيات الله بما يدبرونه من المكر .