الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ مِّنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُمۡ إِذَا لَهُم مَّكۡرٞ فِيٓ ءَايَاتِنَاۚ قُلِ ٱللَّهُ أَسۡرَعُ مَكۡرًاۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكۡتُبُونَ مَا تَمۡكُرُونَ} (21)

قوله تعالى : { وَإِذَآ أَذَقْنَا } : شرطيةٌ جوابُها " إذا الفجائيةُ في قوله : { إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ } ، والعاملُ في " إذا " الفجائيةِ الاستقرارُ الذي في " لهم " . وقد تقدَّم لك خلافٌ في " إذا " هذه : هل هي حرفٌ أو ظرفُ زمان على بابها أو ظرفُ مكان ؟ وقال أبو البقاء : " وقيل : " إذا " الثانية زمانيةٌ أيضاً ، والثانية وما بعدها جواب الأولى " . وهذا الذي حكاه قولٌ ساقط لا يُفهم معناه .

وقوله : { فِي آيَاتِنَا } متعلقٌ ب " مَكْر " جعل الآيات مَحَلاًّ للمكر والمبالغة ، ويَضْعف أن يكون الجارُّ صفةً ل " مكر " . وقوله : " مكراً " نصبٌ على التمييز . وهو واجبُ النصبِ ، لأنك لو صُغْتَ مِنْ " أَفْعل " فعلاً وأَسْنَدْتَه إلى تمييزِه فاعلاً لصَحَّ أن يُقال : " سَرُع مَكْرُه " وأيضاً فإنَّ شرطَ جوازِ الخفضِ صِدْقُ التمييز على موصوفِ أفعل التفضيل نحو : " زيدٌ أحسنُ فقيه " . و " أَسْرَعُ " مأخوذٌ مِنْ سَرُع ثلاثياً ، حكاه الفارسي . وقيل : بل مِنْ أسرع ، وفي بناء أفعل وفعلي التعجب مِنْ أفعل ثلاثةُ مذاهب : الجوازُ مطلقاً ، المنعُ مطلقاً ، التفضيلُ : بين أن تكونَ الهمزةُ للتعدية فيمتنعَ ، أو لا فيجوزَ ، وتحريرُها في كتب النحاة . وقال بعضُهم : " أَسْرع هنا ليست للتفضيل " وهذا ليس بشيءٍ إذ السياق يردُّه . وجعله ابن عطية : أعني كونَ أسرع للتفضيل نظيرَ قوله : " لهي أسودُ مِنَ القار " . قال الشيخ : " وأما تنظيره " أسود من القار " ب " أسرع " ففاسد/ لأن " أسود " ليس فعلُه على وزِن أَفْعَل ، وإنما هو على وزن فَعِل نحو : سَوِدَ فهو أسود ، ولم يمتنع التعجب ولا بناء أفعل التفضيل عند البصريين مِنْ نحو سَوِدَ وحَمِرَ وأَدِمَ إلا لكونه لوناً . وقد أجاز ذلك بعض الكوفيين في الألوان مطلقاً ، وبعضهم في السواد ، والبياض فقط " ، قلت : تنظيره به ليس بفاسد ، لأنَّ مرادَه بناءُ أفعل مما زاد على ثلاثة أحرف وإن لم يكن على وزن أَفْعَل ، وسَوِد وإن كان على ثلاثةٍ لكنه في معنى الزائد على ثلاثة ، إذ هو في معنى أسود ، وحَمِرَ في معنى أحمر ، نصَّ على ذلك النحويون ، وجعلوه هو العلةَ المانعةَ من التعجب في الألوان .

وقرأ الحسنُ وقتادة ومجاهد والأعرج ونافعٌ في روايةٍ : " يَمْكرون " بياء الغيبة جَرْياً على ما سَبَق . والباقون بالخطابِ مبالغةً في الإِعلام بمكرهم والتفاتاً لقوله : " قل الله " ، إذ التقديرُ : قل لهم ، فناسَبَ الخطابَ . وفي قوله : " إنْ رسلَنا " التفاتٌ أيضاً ، إذ لو جَرَى على قوله : " قل الله " ، لقيل : إنَّ رسله .