قوله تعالى : { وربك أعلم بمن في السماوات والأرض } أي : ربك العالم بمن في السماوات والأرض فجعلهم مختلفين في صورهم وأخلاقهم وأحوالهم ومللهم . { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } ، قيل جعل أهل السماوات والأرض مختلفين كما فضل بعض النبيين على بعض . قال قتادة في هذه الآية : اتخذ الله إبراهيم خليلاً ، وكلم موسى تكليماً ، وقال لعيسى : كن فيكون ، وآتى سليمان ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، وآتى داود زبوراً كما قال : { وآتينا داود زبوراً } ، والزبور : كتاب علمه الله داود ، يشتمل على مائة وخمسين سورة ، كلها دعاء وتمجيد وثناء على الله عز وجل ، وليس فيها حرام ولا حلال ولا فرائض ولا حدود . معناه : إنكم لم تنكروا تفضيل النبيين فكيف تنكرون فضل النبي صلى الله عليه وسلم وإعطاءه القرآن ؟ وهذا خطاب مع من يقر بتفضيل الأنبياء عليهم السلام من أهل الكتاب وغيرهم .
وعلم الله الكامل يشمل من في السماوات والأرض من ملائكة ورسل وإنس وجن ، وكائنات لا يعلم إلا الله ما هي ? وما قدرها ? وما درجتها .
وبهذا العلم المطلق بحقائق الخلائق فضل الله بعض النبيين على بعض :
( ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ) . وهو تفضيل يعلم الله أسبابه . أما مظاهر هذا التفضيل فقد سبق الحديث عنها في الجزء الثالث من هذه الظلال عند تفسير قوله تعالى : )تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) . .
( وآتينا داود زبورا ) . . وهو نموذج من عطاء الله لأحد أنبيائه ، ومن مظاهر التفضيل أيضا . إذ كانت الكتب أبقى من الخوارق المادية التي يراها بعض الناس في ظرف معين من الزمان .
وقوله : { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } أي : بمراتبهم في الطاعة والمعصية { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ } ، كَمَا قَالَ : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } [ البقرة : 253 ] .
وهذا لا ينافي ما [ ثبت ]{[17606]} في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تفضلوا بين الأنبياء " {[17607]} ؛ فإن المراد من ذلك هو التفضيل بمجرد التشهي والعصبية{[17608]} ، لا بمقتضى الدليل ، [ فإنه إذا دل الدليل ]{[17609]} على شيء وجب اتباعه ، ولا خلاف أن الرسل أفضل من بقية الأنبياء ، وأن أولي العزم منهم أفضلهم ، وهم الخمسة المذكورون نصا{[17610]} في آيتين من القرآن في سورة الأحزاب : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } [ الأحزاب : 7 ] ، وفي الشورى [ في قوله ]{[17611]} : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } [ الشورى : 13 ] . ولا خلاف أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضلهم ، ثم بعده إبراهيم ، ثم موسى على المشهور ، وقد بسطنا هذا بدلائله في غير هذا الموضع ، والله الموفق .
وقوله : { وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا } تنبيه على فضله وشرفه .
قال البخاري : حدثنا إسحاق بن نصر ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمر ، عن هَمَّام ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خُفف على داود القرآن ، فكان يأمر بدابته لتُسْرج ، فكان يقرأ قبل أن يَفْرغ " . يعني القرآن{[17612]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.