محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِمَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَلَقَدۡ فَضَّلۡنَا بَعۡضَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ عَلَىٰ بَعۡضٖۖ وَءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا} (55)

/ [ 55 ] { وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبورا 55 } .

{ وربك أعلم بمن في السماوات والأرض } أي فلا يخفى عليه شيء فيهما . فهو أعلم بهؤلاء ضرورة . وفيه إشارة إلى رحمته تعالى ببعثة الرسل ، لحاجة الخلق إليها . وإلى مشيئته فيمن يصطفي لرسالته ، ويختار لنبوته ، ويعلمه أهلا لها . وقوله تعالى :

{ ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } أي لاقتضاء علمه وحكمته ذلك . فإنه أعلم بمن في السماوات والأرض وأحوالهم . فآتى موسى التوراة وكلمه ، وعيسى الإنجيل وداوود الزبور . فضلهم بما آتاهم على غيرهم . وقد آتى محمدا القرآن ففضله به على الأنبياء كافة . وقوله تعالى : { وآتينا داوود زبورا } أي يشتمل على الحكمة وفصل الخطاب ، ففضلناه به . قيل : الآية رد عليهم إذا استبعدوا أن يكون صلى الله عليه وسلم نبيا ، دون من يعدّونه عظيما بينهم في الغنى والجاه . وذكر من في السماوات لإبطال قولهم{[5396]} : { لولا أنزل علينا الملائكة } وذكر من في الأرض لرد قولهم{[5397]} : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } . وتخصيص داود بالذكر ، إشارة لتفضيل النبي صلى الله عليه وسلم ، كما دل عليه ما كتب فيه من{[5398]} { أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } ففيه تلميح إلى ما وقع فيه من وصفه بما ذكر فيه . وإيثار الزبور على الملك بيان لحيثية شرفه ، وأنه بما أوحي إليه من الكتاب والعلم ، لا بالملك والمال ، كذا قالوا : والظاهر أنه للإشارة إلى أن داود عليه السلام لم يكن في نشأته الأولى ممن يظن أنه يبلغ ما بلغ في الحكمة والملك . وقد اختصه الله بهما وميزه الله على أهل عصره . وإذ كان ذلك اختصاصا ربانيا ، فلا غرابة أن يختص سبحانه من العرب ، من علم أنه أرجحهم عقلا ، وأكملهم فضلا ، لختم نبوته ، وهداية بريته ، بمنهاجه وشرعته .


[5396]:[25 / الفرقان / 21].
[5397]:[43 / الزخرف / 31].
[5398]:[21 / الأنبياء / 105].